لماذا يختار البابا اسمًا جديدًا – تعرف على أسرار تغيير الاسم البابوي بعد انتخاب ليو الرابع عشر
مع إعلان الفاتيكان عن انتخاب الكاردينال الأمريكي روبرت بريفوست بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية واختياره اسم “ليو الرابع عشر”، أصبح أول أمريكي يتولى هذا المنصب الرفيع في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. هذا الحدث التاريخي يسلط الضوء على تقليدين أساسيين في الكنيسة الكاثوليكية: عملية انتخاب البابا وتقليد تغيير الاسم البابوي. فلماذا يغير الباباوات أسماءهم؟ وكيف تتم عملية انتخابهم؟ نستعرض في هذا التقرير كل ما يجب معرفته عن هذين التقليدين العريقين، خاصة بعد أن أصبح روبرت بريفوست هو “ليو الرابع عشر”.
لماذا يغير الباباوات أسماءهم؟
جذور تقليد تغيير الاسم
لم يكن تغيير الاسم تقليدًا ثابتًا منذ بداية الكنيسة الكاثوليكية. ففي القرون الخمسة الأولى، لم يكن البابوات المنتخبون يغيرون أسماءهم عند الانتخاب. وبحسب سجلات الفاتيكان، من بين 266 بابا على مر التاريخ، غيّر 129 فقط أسماءهم عند اعتلاء الكرسي الرسولي. بدأ هذا التقليد للمرة الأولى عام 533 عندما اختار البابا يوحنا الثاني تغيير اسمه الأصلي “مركوريوس” لأنه كان اسم إله روماني وثني، ولا علاقة له بالمسيحية.
بدأت عادة تغيير الاسم بالترسخ تدريجيًا في القرن الحادي عشر، وتحديدًا عندما بدأ بعض الباباوات، خصوصًا من أصول ألمانية، باختيار أسماء لأساقفة من الكنيسة الأولى. مع مرور الزمن، لم يتحول تغيير الاسم إلى أمر ضروري، رغم أن كثيرين اعتمدوه تيمنًا بمن سبقهم أو بشفعاء لهم، حتى عام 1555 عندما بقي آخر بابا على اسمه الأرضي. بعدها، بات على كل بابا أن يختار لنفسه اسمًا مختلفًا بعد انتخابه.
الأبعاد الرمزية واللاهوتية لتغيير الاسم
يحمل تغيير اسم البابا أبعادًا رمزية ولاهوتية عميقة، فهو يرتبط بتفسير لاهوتي متجذر في الكتاب المقدس. الله هو الذي غيّر أسماء الأشخاص الذين أوكلهم رسالة خاصة ومميزة، وأولهم إبراهيم. كذلك يسوع المسيح غيّر اسم بعض تلاميذه كسمعان بطرس الذي أسماه الصخرة، وشاوول الذي أصبح اسمُه بولس. الاسم ما هو إلا دليل وتعبير عن المهمّة أو الرسالة التي أوكلت إلى صاحبها.
السبب الرئيسي وراء تغيير الاسم يعود إلى الرمزية العميقة التي يحملها هذا الفعل. فالبابا، عند انتخابه، يُعتبر أنه يولد من جديد في دوره كخليفة للقديس بطرس. الاسم الجديد يصبح بمثابة هوية جديدة، تعكس مسؤولياته الجسيمة ورسالته الروحية. لا يُلزم القانون الكنسي البابا بتغيير اسمه، ومع ذلك، هناك قاعدة غير مكتوبة وهي ألا يجوز للبابا أن يتخذ اسم بطرس، احترامًا للقديس بطرس، المعروف تقليديًا بأنه أول بابا للكنيسة الكاثوليكية.
رسالة الاسم البابوي
الاسم الذي يختاره البابا لا يعبر فقط عن الإعجاب بشخصية معينة، بل يمكن أن يكون إعلانًا واضحًا عن توجهاته. قد يشير الاسم إلى رغبة في الإصلاح، أو التمسك بالتقاليد، أو التركيز على السلام والخدمة الاجتماعية. وفقًا لصحيفة “أخبار الفاتيكان”، يُمكن للباباوات اتخاذ أسماء أسلافهم أو قديسيهم بدافع الاحترام أو الإعجاب أو التقدير. ويشمل ذلك الرغبة في اتباع أو تقليد نوايا الباباوات السابقين.
مثال واضح على ذلك هو اختيار البابا فرنسيس لاسمه تيمنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، الذي اشتهر بتواضعه واهتمامه بالفقراء. قال البابا فرنسيس إنه اختار هذا الاسم “من أجل محاربة الفقر، فلطالما كان من كبار المعجبين بفرنسيس الاسيزي”، وأنه يريد “كنيسة فقيرة، وتدافع عن الفقراء”. وبالمثل، اختار البابا الجديد روبرت بريفوست الاسم البابوي “ليو الرابع عشر”، تكريمًا للبابا ليو الثالث عشر، المعروف بإصلاحاته الاجتماعية ودعمه للعمال في القرن التاسع عشر.
كيف تتم عملية انتخاب البابا؟
المجمع المغلق (الكونكلاف)
المجمع المغلق، أو ما يُعرف باللاتينية بـ”الكونكلاف”، هو الطريقة الرسمية والمعتمدة منذ القرن الثاني عشر لانتخاب بابا الكنيسة الكاثوليكية. الجذر اللغوي للكلمة يأتي من اللاتينية وتعني “المجمع المغلق”، وباتت تطلق على الخلوة الانتخابية الخاصة لانتخاب البابا. نشأت هذه الطريقة لحث الكرادلة على الإسراع في مهمتهم ومنعًا لإطالة فترة شغور الكرسي الرسولي، وما يرافق ذلك من نشوء خصومات ومنافسات، كما أنها كانت وسيلة فعالة لتحاشي ضغوط الأباطرة كما كان يجري في القرون الوسطى المبكرة.
عادةً ما يُعقد المجمع السري بعد 15 إلى 20 يومًا من شغور منصب البابا، سواء بالوفاة أو الاستقالة. خلال هذه الفترة الانتقالية، يتوقف عمل الكرسي الرسولي، ويتعهد الكرادلة بتصريف أمور الكنيسة الجارية والطارئة. يقوم بانتخاب البابا 120 كاردينالًا (من هم دون سن الثمانين). حالما يتم استدعاؤهم، عليهم أن يتركوا جميع أعمالهم ويتوجهوا إلى روما، حيث يسكنون في نزل القديسة مرتا، وهو نزل حديث أمر البابا يوحنا بولس الثاني ببنائه.
إجراءات الانتخاب
في صباح اليوم الأول، يجتمع الكرادلة في كنيسة القديس بطرس حيث يقيمون قداسًا من أجل انتخاب البابا. وبعد الظهر، يتوجهون إلى كنيسة السيستين مع نشيد “هيا أروح الخالق”. يدخل الكرادلة إلى الكنيسة، ويُقسمون اليمين بالسرية، ثم تُغلق أبواب الكنيسة، ما يعني أنه لا يُسمح بدخولها إلا للناخبين فقط. يتم تفتيش الكنيسة للتأكد من خلوها من أجهزة التنصت أو الكاميرات، ويُمنع الكرادلة من مناقشة ما يجري داخلها مع أي شخص خارج المجموعة.
داخل كنيسة سيستين، تُوزع بطاقات ورقية على كل كاردينال، ليكتب عليها اسم المرشح الذي يختاره تحت عبارة “Eligo in Summum Pontificem” (وتعني باللاتينية: “أنتخب كحبر أعظم”)[16]. ولا يُسمح للكرادلة بالتصويت لأنفسهم. عند الانتهاء، يتقدم كل كاردينال بحسب الأقدمية نحو المذبح، ليضع بطاقته المطوية داخل كأس كبير بطريقة رمزية. ثم تُفرز الأصوات وتُقرأ النتيجة أمام الحاضرين.
إعلان نتيجة الانتخاب
كي يصبح أحد الكرادلة بابا، يجب أن يحصل على ثلثي الأصوات. تجرى 4 جولات من التصويت كل يوم، حتى يحصل مرشح واحد على ثلثي الأصوات اللازمة. يتم إبلاغ عامة الناس بقرار الكرادلة كل يوم، عن طريق الدخان الأسود أو الأبيض الذي يتصاعد من أعلى كنيسة سيستين. إذا لم يحصل أحد المرشحين على ثلثي الأصوات اللازمة لهذا اليوم، فإنه يتم حرق بطاقات الاقتراع في موقد ممزوج بمواد كيميائية لإنتاج دخان أسود. أما إذا تم اختيار مرشح، فإنه يتم حرق بطاقات الاقتراع بمواد كيميائية لإنتاج دخان أبيض.
عند انتخاب البابا الجديد، تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستين في الفاتيكان، وقرعت أجراس كاتدرائية القديس بطرس احتفالا بانتخاب البابا الجديد. ثم يتلقى البابا المنتخب التهنئة من قبل الكرادلة ويوقع على مرسوم قبول مهامه ويختار اسمًا جديدًا. بعد ذلك، يتوجه عبر شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليحيي الجماهير ويتلو صلاة مباركة المدينة والعالم. وغالبًا ما يكون قداس التنصيب في الأحد الأول الذي يتلو انتخابه.










