ظاهرة اختطاف النساء العلويات في سوريا: قضية ميرا جلال ثابت تشعل الجدل
أثارت حادثة اختفاء الشابة ميرا جلال ثابت (22 عاماً) من منطقة تلكلخ بريف حمص ذات الغالبية العلوية، ثم ظهورها بعد أسبوع مرتدية زياً دينياً مختلفاً عن بيئتها الاجتماعية وبرفقة رجل متشدد ادعى زواجه منها “شرعاً”، موجة من الغضب والتساؤلات حول ما يجري من عمليات اختطاف ممنهجة تستهدف نساء من الطائفة العلوية في سوريا. وتأتي هذه الحادثة في إطار ظاهرة أوسع وثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، حيث بلغ عدد المختطفات أكثر من خمسين امرأة علوية في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف من استخدامهن كـ “سبايا” في ممارسات تذكر بما قام به تنظيم داعش مع النساء الإيزيديات عام 2014.
تفاصيل قضية ميرا جلال ثابت
كانت ميرا جلال ثابت طالبة في معهد إعداد المعلمين، اختفت أثناء توجهها مع والدها لتقديم امتحان. وبعد أسبوع من اختفائها، ظهرت ميرا بزي ديني مختلف تماماً عن بيئتها الاجتماعية، يشبه النقاب الذي تفرضه حركة طالبان على النساء في أفغانستان، برفقة رجل متشدد أعلن زواجه منها “شرعاً”.
ووصف الناشط السياسي والحقوقي المعتصم الكيلاني، الحادثة بأنها “مسرحية رخيصة برعاية رسمية”، متسائلاً: “كيف لصبية من تلكلخ أن تتعرف على متشدد ديني وتعشقه وتهرب معه لتتزوجه شرعياً؟”. وأضاف الكيلاني الذي التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع في باريس يوم أمس: “إذا كان ما حدث جزءاً من عمليات تجنيد، كما تفعل بعض الجماعات، فهذه كارثة أخلاقية وإنسانية”.
وتفاعل عدد كبير من المتابعين مع الحادثة، وتداول رواد مواقع التواصل مجموعة صور تظهر الفتاة بزي ديني وإلى جانبها شاب قيل إنه زوجها، وصور أخرى داخل منزل عائلتها. ويستمر الغموض حول مكان وجود ميرا حالياً، فيما لم يصدر حتى اللحظة أي تعليق من جهات رسمية حول ظروف اختفائها وعودتها.
ظاهرة واسعة تثير قلقاً دولياً
لا تقتصر القضية على ميرا فحسب، فقد تكررت في الآونة الأخيرة حالات اختفاء لنساء من الطائفة العلوية في قرى الساحل ومدنه، كما في ريف حمص وأحياء مدينتها وحماة. وتتراوح أعمار المختفيات بين 18 و30 عاماً، منهن عازبات، وأخريات متزوجات، وبعضهن طالبات في الجامعات أو موظفات.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد المختطفات أكثر من خمسين سيدة من الطائفة العلوية، بعد اختفائهن في ظروف غامضة في الأسابيع الماضية، في سلسلة حوادث متفرقة كان معظمها من نصيب مدن الساحل.
وأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن قلق المنظمة الدولية العميق إزاء هذه التقارير قائلاً: “هذا التقرير، على الأقل، مقلق للغاية ونحن قلقون للغاية بشأن أي محاولة لزيادة التوترات الطائفية في سوريا”.
شهادات من ضحايا نجين من الاختطاف
قادنا تتبع شهادات سوريات خُطفن في الساحل السوري، إلى رباب (اسم مستعار لأسباب أمنية) التي خُطفت في وضح النهار، ووجدت نفسها مع باسمة (اسم مستعار) في المنزل نفسه، حيث تعرّضتا للضرب والإهانة كونهما “علويتين” بحسب شهادتهما.
تقول رباب: “عذبونا وضربونا، لم يكن مسموحاً أن نتحدّث مع بعضنا بعضاً، لكني سمعت لهجة الخاطفين، أحدهم لهجته أجنبية والآخر لهجته محلية إدلبية، عرفت ذلك لأنهم كانوا يشتموننا لأننا علويات”. الظاهرة تذكر بعمليات سبي الأيزديات في العراق، من دون أن ترقى إليها حتى الآن.
لم يستمر اختطاف رباب أكثر من أيام، كونها سمعت الخاطفين يقولون إن هناك إخبارية عن مداهمة متوقعة للمكان من الأمن العام، فما كان منهم إلا أن نقلوها خارجاً لتجد نفسها بعد قليل في الطريق. أما باسمة فلم يطلق سراحها، إذ سمعت رباب تنبيهات بعدم ضربها أو الاقتراب منها لأن “أحد الخاطفين وقع في حبّها”.
موقف المنظمات الحقوقية
أصدرت الحركة السياسية النسوية السورية بياناً حول اختطاف النساء السوريات، أكدت فيه أن هذه الظاهرة تُشكل “جريمة مزدوجة بحق المرأة وكرامة المجتمع السوري، حيث إن اختطاف النساء، وإخفاء مصيرهن، يُشكّل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، واعتداءً على السلم الأهلي، وتهديدًا لنسيج المجتمع”.
وأكدت الحركة أن “جريمة واحدة موثقة تكفي لتأكيد خطورتها وضرورة التصدي لها بحزم”، وطالبت بتحقيقات عاجلة وشفافة في حوادث اختفاء النساء، خاصة في الساحل السوري، وضمان أمن جميع المواطنات والمواطنين، والكشف الفوري عن مصير المختطفات وضمان عودتهن سالمات وحماية عائلاتهن من أي أعمال انتقامية أو تهديدات.
توترات طائفية وتبعات سياسية
تزامنت المناشدات مع “العملية العسكرية” التي شنّتها قوّات وزارة الدفاع السورية لـ”تمشيط” الساحل بحثاً عن مقاتلين موالين لنظام الأسد المخلوع، الذين نصبوا كمائن لقوّات الأمن العامّ، قُتل إثرها المئات منهم والتي استُتبعت بعمليات تنكيل وقتل عشوائي طاول مئات العلويين.
ونقلت قناة رووداو أن هناك تقارير تفيد بأن النساء المختطفات يتم نقلهن إلى إدلب، معقل هيئة تحرير الشام التقليدي، وأن هناك أدلة على “أنهن يؤخذن كعبيد للجنس، في أسلوب يشبه استعباد تنظيم داعش لآلاف النساء الإيزديات في عام 2014”.
وأوضحت القناة أن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، كان قد أشار إلى هذه القضية في خطابه الأسبوع الماضي أمام مجلس الأمن الدولي.
مستقبل قاتم وتحديات كبيرة
تُسلط قضية اختطاف النساء العلويات في سوريا الضوء على تداعيات الصراع الطائفي وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في البلاد. وبينما تستمر عمليات الخطف، تزداد المخاوف من تفاقم الأزمة واتساع نطاق العنف ضد المدنيين، خاصة النساء.
وكما جاء في بيان الحركة السياسية النسوية السورية: “إن بناء سوريا الجديدة يبدأ بحماية مواطناتها ومواطنيها، ووقف هذه الجرائم المهينة للكرامة الإنسانية، وإنفاذ سيادة القانون على الجميع دون استثناء، كما وإن مستقبل بلدنا مرهون اليوم بالقدرة على إيقاف العنف والإفلات من العقاب”.
ويبقى السؤال: هل ستنجح المنظمات الدولية والجهات الرسمية في وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة؟ وما مصير عشرات النساء اللواتي ما زلن مجهولات المصير؟










