العراق يمنع التظاهرات خلال انعقاد القمة العربية وسط انتقادات حقوقية
أصدرت وزارة الداخلية العراقية قراراً مثيراً للجدل يقضي بمنع إقامة أي تظاهرات في بغداد والمحافظات العراقية خلال الفترة من 11 إلى 20 أيار (مايو) 2025، بالتزامن مع استضافة العاصمة العراقية للقمة العربية المقررة في 17 مايو الجاري. ويأتي هذا القرار وسط استعدادات أمنية مكثفة لتأمين القمة، مع سعي العراق لاستثمار هذا الحدث الدبلوماسي في تعزيز مكانته الإقليمية.
تفاصيل القرار وتداعياته
أعلنت وزارة الداخلية العراقية في بيان رسمي يوم السبت 10 مايو 2025 عن منع تنظيم أي تظاهرة في عموم البلاد، وتوعدت بإلقاء القبض على كل من يحاول التظاهر خلال هذه الفترة. وبررت الوزارة قرارها بضرورة تركيز الجهود الأمنية على تأمين القمة العربية، حيث أشارت إلى أنها “سخرت جميع إمكاناتها لاستقبال ضيوف العراق”.
وشددت الوزارة في بيانها على أنها لن تمنح أي تراخيص للتظاهر خلال هذه الفترة، مهما كانت الأسباب، سواء كانت خدمية أو غيرها، معتبرة أن “أي محاولة ستكون خلافاً للقانون”. والأخطر من ذلك، أكدت الوزارة أن “هناك تعليمات صدرت بإلقاء القبض على كل من يحاول التظاهر اعتباراً من يوم 11 أيار الحالي ولغاية 20 من الشهر ذاته”.
يبدو قرار المنع شاملاً ومطلقاً، إذ يغطي جميع أنواع التظاهرات بما فيها الاحتجاجات ذات الطابع الخدمي أو المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وليس فقط تلك ذات الطبيعة السياسية. ويتضح من البيان الرسمي أن القوات الأمنية “ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أي متظاهر يحاول إشغال القوات الأمنية عن واجباتها المكلفة بها خلال هذه الفترة”.
القمة العربية في بغداد: أهمية استراتيجية
تستعد بغداد لاستضافة الدورة الـ34 للقمة العربية في 17 مايو 2025، وهي مناسبة يعول عليها العراق لاستعادة دوره الإقليمي والدبلوماسي. ويزداد أهمية هذا الحدث كونه يأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية متوترة تتطلب موقفاً عربياً موحداً.
وستناقش القمة، وفقاً لما أعلنته الحكومة العراقية، ملفات تتعلق بالأمن القومي العربي والتحديات السياسية الإقليمية، إضافة إلى قضايا التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي والتكامل في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية. كما تتزامن هذه القمة مع انعقاد القمة التنموية في دورتها الخامسة.
تاريخياً، استضافت بغداد ثلاث قمم عربية سابقة خلال أعوام 1978 و1990 و2012، وتأمل العراق أن تكون قمة 2025 فرصة لتأكيد عودته إلى دوره القيادي في المنطقة بعد سنوات من الاضطرابات الداخلية.
انتقادات حقوقية واسعة للقرار
يثير قرار حظر التظاهرات مخاوف حقوقية، خاصة في ضوء السجل المثير للقلق للحكومة العراقية في التعامل مع المتظاهرين. ففي تقارير سابقة، انتقدت منظمة العفو الدولية تقاعس الحكومات العراقية المتعاقبة عن ضمان تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة وتقديم التعويضات بشأن حملة القمع المميتة التي استهدفت تظاهرات تشرين عام 2019.
كما انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في مناسبات سابقة حظر التظاهر السلمي في العراق، معتبرة أن “الخشية من تحولها إلى إزعاج سياسي هو السبب الحقيقي لمنعها”. وأكدت المنظمة أنه “يمكن للسلطات حظر المظاهرات إذا اعتقدت أنها ستجنح إلى العنف، لكن مبعث القلق هنا على ما يبدو هو أن تثير المظاهرات الحرج أو الإزعاج السياسي”.
سوابق لحظر التظاهر والتجوال في العراق
لم يكن قرار منع التظاهرات خلال فترة القمة العربية هو الأول من نوعه في العراق، فقد شهدت البلاد عدة حالات سابقة لفرض حظر التجوال أو منع التظاهر في ظروف أمنية أو سياسية مختلفة.
ففي سبتمبر 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فرض حظر للتجوال في محافظة كركوك شمالي البلاد، وذلك بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين متظاهرين أكراد وقوات الأمن. وفي أغسطس 2022، فرضت السلطات العراقية حظر التجوال في بغداد والمحافظات خلال أزمة اقتحام أنصار التيار الصدري للمنطقة الخضراء.
هذه السوابق تظهر نمطاً متكرراً من تقييد التجمعات والتظاهرات في فترات التوتر السياسي، وتعكس ميل السلطات العراقية للتعامل مع الاحتجاجات من منظور أمني في المقام الأول، دون موازنة كافية مع الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
The