ترامب يعلن اتفاقاً تاريخياً بين الهند وباكستان: وقف فوري وكامل لإطلاق النار
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صباح اليوم السبت، توصل الهند وباكستان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل “كامل وفوري”، بعد أيام من تبادل الهجمات العسكرية بين الدولتين النوويتين. وقد جاء هذا الإعلان عقب ليلة طويلة من المفاوضات المكثفة برعاية الولايات المتحدة، لوضع حد للتصعيد العسكري الذي اندلع بين البلدين خلال الأيام الماضية، والذي أسفر عن مقتل العشرات من كلا الجانبين.
تفاصيل الاتفاق والإعلان الأمريكي
كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر منصته الخاصة “تروث سوشيال”: “بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة الولايات المتحدة، يسرني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري. أهنئ كلا البلدين على استخدام العقل والحكمة والذكاء الكبير. شكراً لاهتمامكم بهذا الأمر”.
وفي تأكيد رسمي من الجانبين، أعلن وزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، عن اتفاق باكستان والهند على وقف إطلاق النار “بأثر فوري”. وأضاف في منشور على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “لقد سعت باكستان دائماً لتحقيق السلام والأمن في المنطقة مع الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها”.
من جانبها، أكدت الهند الاتفاق حيث صرح وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري أن البلدين اتفقا على الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية على حدودهما وعلى خط السيطرة. وأوضح أن وقف إطلاق النار سيبدأ اعتباراً من الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي (7:30 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة).
جهود الوساطة الأمريكية
لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في التوصل إلى هذا الاتفاق، حيث كشف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن الجهود المكثفة التي بُذلت خلال الـ 48 ساعة الماضية. وقال روبيو عبر منصة “إكس”: “على مدى الـ 48 ساعة الماضية، تواصلت أنا ونائب الرئيس جي دي فانس مع كبار المسؤولين الهنود والباكستانيين، بما في ذلك رئيسي الوزراء ناريندرا مودي وشهباز شريف، ووزير الشؤون الخارجية سوبرامانيام جايشانكار، ورئيس أركان الجيش الباكستاني عاصم منير، ومستشاري الأمن القومي أجيت دوفال وعاصم مالك”.
وأضاف روبيو: “يسعدني أن أعلن أن حكومتي الهند وباكستان اتفقتا على وقف فوري لإطلاق النار وبدء محادثات بشأن مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد”. كما أشاد بـ”الحكمة التي تحلى بها رئيسا الوزراء مودي وشريف باختيارهما مسار السلام”.
خلفية التصعيد العسكري الأخير
جاء هذا الإعلان بعد أربعة أيام من الضربات العسكرية المتبادلة بين البلدين. وكان التصعيد قد بدأ على خلفية هجوم دموي نفذه مسلحون في 22 أبريل الماضي، استهدف سياحاً في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، وأسفر عن مقتل 26 مدنياً، معظمهم من الهندوس.
اتهمت الهند باكستان بالوقوف وراء هذا الهجوم، وقامت بتنفيذ ضربات جوية يوم الأربعاء الماضي (7 مايو) على مواقع داخل باكستان قالت إنها “معسكرات إرهابية” تابعة لجماعات متطرفة. وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني أن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل 31 شخصاً وإصابة 46 آخرين في الجانب الباكستاني.
في المقابل، ردت باكستان بقصف مضاد، وزعمت إسقاط خمس طائرات مقاتلة هندية من طراز “رافال”. ووصف خبراء هذا التصعيد بأنه “أسوأ قتال منذ أكثر من 20 عاماً بين الجارتين النوويتين”.
ردود الفعل الدولية والمحلية
لاقى الإعلان عن وقف إطلاق النار ترحيباً دولياً ومحلياً واسعاً. وأشار وزير الخارجية الباكستاني إلى أن “جهوداً دبلوماسية كانت تجري على مدار اليوم”، وأن نحو 30 دولة شاركت في الجهود الدبلوماسية النشطة لوقف الحرب، من بينها الولايات المتحدة وتركيا والسعودية.
وعبر المواطنون الباكستانيون في مدينة كراتشي عن ارتياحهم عقب الإعلان عن الاتفاق. وقال راكيش موداني، وهو مواطن باكستاني: “الهند جاءت متأخرة، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. أدركت أن الحرب لا تحل المشكلة، بل السلام والحوار على الطاولة، حيث يمكن حل القضايا عبر المفاوضات. أعتقد أن المجتمع الدولي، مثل جيراننا الصين والسعودية وأمريكا، لعب دوراً رائعاً في التوصل إلى اتفاق السلام ووقف إطلاق النار”.
كما رحب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بالاتفاق، مشدداً على الحاجة إلى إجراء حوار من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار سريع ومستدام بين البلدين. وعبر لامي عن القلق البالغ إزاء القصف المتبادل بين الجارتين، مؤكداً أن الصراع ليس في مصلحة أحد.
الخلفية التاريخية للصراع الهندي الباكستاني
يعتبر الصراع بين الهند وباكستان أحد أطول النزاعات في العالم، حيث بدأ منذ تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، والتأسيس اللاحق لدولتي باكستان والهند. وقد خاض البلدان عدة حروب ونزاعات ومواجهات عسكرية على مر السنين، كان النزاع على إقليم كشمير والإرهاب أبرز أسبابها، باستثناء حرب عام 1971 التي اندلعت نتيجة أحداث في باكستان الشرقية (بنغلادش اليوم).
الحرب الأولى بين البلدين بدأت في أكتوبر 1947، عندما خشيت باكستان من ضم ماهاراجا ولاية جامو وكشمير الأميرية إلى الهند. ثم اندلعت حرب أخرى في عام 1965 على خلفية عملية “جيبرالتار” الباكستانية التي كانت تهدف إلى إثارة تمرد في كشمير. وفي عام 1971، اندلعت الحرب الثالثة التي انتهت باستقلال بنغلادش عن باكستان.
مستقبل العلاقات بين البلدين
رغم إعلان وقف إطلاق النار، لا تزال العلاقات بين البلدين مشوبة بالتوتر. وقد أشارت تقارير إلى أن المديرين العامين للعمليات العسكرية في كلا البلدين سيجريان محادثات مرة أخرى الاثنين المقبل، مما يشير إلى استمرار الجهود لتعزيز الاستقرار على الحدود.
وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن “حكومتي الهند وباكستان ستبدآن محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد”. ومع ذلك، أفاد مصدر في الحكومة الهندية بأن الدولتين “لا تعتزمان حالياً البحث في أي من المواضيع الخلافية بينهما باستثناء وقف إطلاق النار”.
يبقى إقليم كشمير، المقسم بين البلدين والذي يطالب كل منهما بالسيادة عليه بالكامل، نقطة الخلاف الرئيسية بين الهند وباكستان. وتشير التحليلات إلى أن هناك حاجة إلى حوار مستدام ومفاوضات جادة لحل هذا الخلاف المزمن وتجنب مزيد من المواجهات العسكرية المستقبلية.
الدروس المستفادة من الأزمة الأخيرة
تسلط الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان الضوء على خطورة التصعيد العسكري بين قوتين نوويتين، وأهمية التدخل الدبلوماسي السريع لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة. كما تبرز دور الوساطة الدولية، وخاصة الأمريكية، في تهدئة النزاعات الإقليمية.
ويظل التحدي الأكبر أمام البلدين هو كيفية بناء الثقة وإيجاد آليات فعالة لمنع الهجمات الإرهابية التي غالباً ما تكون سبباً للتوتر، وإنشاء قنوات اتصال مستدامة للتعامل مع الأزمات المستقبلية، والعمل على حل القضايا الخلافية بطرق سلمية بعيداً عن التهديد باستخدام القوة.