قصة “كوكايين قطار كييف”: جدل حول مادة بيضاء على طاولة ماكرون وستارمر وشولتس
انتشر مؤخراً فيديو على منصات التواصل الاجتماعي أثار جدلاً واسعاً حول ما بدا أنه إخفاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمادة بيضاء أثناء لقائه مع قادة أوروبيين على متن قطار متجه إلى كييف. سارعت الحكومة الفرنسية ووسائل إعلام مستقلة إلى تفنيد هذه المزاعم، مؤكدة أن الأمر لا يتعدى كونه منديلاً ورقياً عادياً، وأن الادعاءات جزء من حملة تضليل واسعة تستهدف زعزعة الوحدة الأوروبية في دعم أوكرانيا خلال مرحلة حرجة من الصراع الروسي-الأوكراني.
تفاصيل الفيديو المثير للجدل
القصة كما انتشرت على مواقع التواصل
في 10 مايو 2025، ظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس داخل عربة قطار متجهة من بولندا إلى أوكرانيا. في المقطع، يبدو ماكرون وكأنه يقوم بإخفاء جسم أبيض من على الطاولة بسرعة، بينما يظهر ميرتس وكأنه يُخفي شيئاً آخر قد يشبه ملعقة صغيرة.
بدأ المقطع بالانتشار بعد أن نشره حساب المذيع المحافظ والمثير للجدل أليكس جونز على منصة X (تويتر سابقاً)، مدعياً أن ماكرون كان يخفي كيساً من الكوكايين، وأن ميرتس كان يخفي ملعقة تُستخدم لتعاطي المخدرات. وكتب جونز في منشوره: “فضيحة تتطور: ماكرون وستارمر وميرتس تم تصويرهم أثناء عودتهم من كييف. كيس من المسحوق الأبيض على الطاولة. ماكرون يضعه سريعاً في جيبه، وميرتس يخفي الملعقة. لم يتم تقديم أي تفسير”.
ردود الفعل الرسمية وتفنيد الشائعات
سارع قصر الإليزيه (مقر الرئاسة الفرنسية) إلى الرد على هذه المزاعم، حيث نشر تغريدة على منصة X جاء فيها: “عندما تُصبح الوحدة الأوروبية مزعجة للبعض، يصل التضليل إلى حدّ جعل منديل ورقي بسيط يبدو كالمخدرات. ينشر أعداء فرنسا هذه الأخبار الكاذبة، في الخارج والداخل. يجب أن نبقى يقظين ضدّ التلاعب”.
وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن الجسم الأبيض الذي ظهر في الفيديو هو مجرد منديل ورقي ملفوف على شكل كرة، وليس كما ادعى البعض كيساً من الكوكايين. كما أكدت وسائل الإعلام الفرنسية أن ما كان بيد ميرتس هو عود لتحريك المشروبات أو عود أسنان وليس أداة لتعاطي المخدرات.
صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية قامت بتحقيق في الفيديو ونشرت تقريراً أكدت فيه أن الصور والمقاطع عالية الجودة التي التقطتها وكالات الأنباء مثل وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) ووكالة الأسوشيتد برس (AP) أظهرت بوضوح أن المادة البيضاء المزعومة كانت مجرد منديل ورقي تم وضعه على الطاولة قبل دخول كير ستارمر الغرفة.
سياق الزيارة وأبعادها السياسية
اجتماع “تحالف الراغبين” في كييف
كان القادة الأوروبيون متجهين إلى كييف للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في إطار اجتماع “تحالف الراغبين” الذي ضم أكثر من 30 دولة لمناقشة سبل دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. وتزامنت الزيارة مع مبادرة سلام جديدة، حيث عرض زيلينسكي وحلفاؤه على روسيا وقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً ابتداءً من 12 مايو.
وخلال هذه الزيارة، صرح ماكرون لصحيفة “لو باريزيان” الفرنسية أن فرنسا تعمل على إقناع شركائها بطرق محتملة لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وأضاف: “نحن نعمل على وجود وبصمة استراتيجية للدول الشريكة. كانت هناك عدة تبادلات بين رؤساء أركاننا الفرنسيين والبريطانيين والأوكرانيين، الذين نسقوا العمل مع جميع شركائهم، وكل هذا يصبح أكثر وضوحاً ويحرز تقدماً”.
حملة التضليل في سياق الصراع الروسي-الأوكراني
تأتي هذه الحادثة في سياق أوسع من حملات التضليل المتزايدة، خصوصاً تلك التي تستهدف القادة الأوروبيين المؤيدين لأوكرانيا. وقد أشار تقرير حديث لدائرة العمل الخارجي الأوروبية (EEAS) إلى وجود “جهات فاعلة حكومية وغير حكومية تنشر روايات كاذبة لزعزعة استقرار المجتمعات الديمقراطية”، مع تحديد فرنسا بشكل متكرر كهدف رئيسي.
ربطت العديد من وسائل الإعلام الغربية وخبراء الأمن السيبراني هذه الحملة بروسيا، حيث اتهمت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، القادة الأوروبيين بشكل غير مباشر بتعاطي المخدرات خلال زيارتهم لأوكرانيا. وكتبت زاخاروفا في منشور على تطبيق تيليجرام أن “فرنسياً وإنجليزياً وألمانياً” استخدموا الكوكايين ولم يتمكنوا من إزالة الأدوات قبل وصول الصحفيين، وأضافت أن “مصير أوروبا يتقرر على يد أفراد تابعين تماماً”.
الأبعاد الجيوسياسية للأزمة
تصاعد حرب المعلومات بين روسيا والغرب
تعكس هذه الحادثة تصاعداً في حرب المعلومات بين روسيا والدول الغربية الداعمة لأوكرانيا. فمنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، تعرضت الدول الأوروبية لحملات تضليل متزايدة تهدف إلى إضعاف دعمها لكييف وزعزعة استقرارها الداخلي.
في أبريل 2023، قدم ماكرون استراتيجية وطنية لمكافحة التلاعب بالمعلومات، واصفاً الأمر بأنه “معركة من أجل ديمقراطيتنا”. وتضمنت هذه المبادرة التعاون مع منصات التكنولوجيا، ودعم الصحافة المستقلة، وتوفير أدوات قانونية لمكافحة التأثير الخبيث.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في نشر هذه الادعاءات، حيث شارك في نشرها مؤيدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثل دينيش دي سوزا، المعروف بكونه مروجاً للدعاية اليمينية المتطرفة.
ويأتي هذا في وقت يشهد فيه الموقف الأمريكي تغيراً جذرياً تجاه روسيا وأوكرانيا، حيث اتهم ترامب مؤخراً الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنه المسؤول عن الغزو الروسي، واصفاً إياه بـ “الديكتاتور بدون انتخابات”. كما أجرى ترامب مفاوضات مع روسيا الأسبوع الماضي حول إنهاء الحرب في أوكرانيا دون مشاركة ممثلين عن أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبي.
تأثير الحادثة على العلاقات الدولية
تعزيز الوحدة الأوروبية في مواجهة روسيا
على الرغم من محاولات التضليل، يبدو أن زيارة القادة الأوروبيين لكييف عززت الوحدة الأوروبية في دعم أوكرانيا. وأكد القادة الأوروبيون، بمن فيهم ماكرون وستارمر وميرتس، التزامهم بزيادة الضغط على روسيا حتى توافق على وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
ويشار إلى أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا من أشد الداعمين لأوكرانيا في خضم الصراع، حيث ساهمت هذه الدول بنحو 60% من إجمالي الجهد المبذول لدعم أوكرانيا، وفقاً لتصريحات ماكرون خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير 2025.