في خطوة تاريخية، أعلن حزب العمال الكردستاني يوم الاثنين 12 مايو 2025 قراره بحل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح الذي استمر لأكثر من أربعة عقود ضد الدولة التركية. هذا القرار المصيري يثير تساؤلات عميقة حول مصير آلاف المقاتلين المنتمين للحزب، وآليات تنفيذ عملية تسليم السلاح، والضمانات المطلوبة، والتحديات المحتملة في هذه المرحلة الانتقالية. يأتي هذا التحول استجابة لدعوة زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان، وسط توقعات بتغييرات جذرية في الخريطة السياسية والأمنية بالمنطقة.
خلفية إعلان حلّ حزب العمال الكردستاني
أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) قراره التاريخي بحل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء الكفاح المسلح، عقب مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد في جبال قنديل بشمال العراق بين 5 و7 مايو 2025. 7وقد جاء هذا القرار تلبية لدعوة أطلقها مؤسس الحزب عبدالله أوجلان في 27 فبراير/شباط الماضي، والتي حثّ فيها مقاتليه على نزع السلاح وحلّ الحزب.
وذكرت وكالة فرات للأنباء المقربة من الحزب أن “المؤتمر اتخذ قرارات بحل الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني وإنهاء أسلوب الكفاح المسلح وإنهاء الأنشطة التي كانت تمارس باسمه”. كما أوضح الحزب في بيانه أن “الآلية العملية” لحل الحزب ستكون تحت إدارة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان.
واعتبر حزب العمال الكردستاني في بيانه أن نضاله “أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل من خلال السياسات الديمقراطية، مُتمماً بذلك مهمته التاريخية”.
ورأى المؤتمر أيضاً أن “نضال الحزب قد كسر سياسات الإنكار والإبادة المفروضة على شعبنا، وأوصل القضية الكوردية إلى مرحلة قابلة للحل عبر السياسة الديمقراطية”.
خطة تسليم السلاح ومصير المقاتلين
استناداً إلى المصادر المتاحة، تتضح بعض معالم خطة تسليم السلاح ومصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وإن كانت التفاصيل النهائية لا تزال قيد التطوير.
آلية تسليم السلاح
تشير المعلومات إلى أن “عملية تسليم السلاح ستتم بالتنسيق بين تركيا والعراق وسوريا من خلال مراكز مشتركة لاستلام الأسلحة، تحت إشراف استخباراتي بين الدول الثلاث”.
هذا التعاون يهدف إلى ضمان استكمال إجراءات الحل بشكل منظم، خاصةً في ظل التوترات المستمرة بين هذه الدول والحزب.
ويبدو أن هناك حذراً من قبل المقاتلين بشأن إلقاء السلاح، حيث تشير بعض التقارير إلى أن “مقاتلي حزب العمال لن يلقوا السلاح إلا بعد التأكد من قيام مؤسسات الدولة التركية” بتقديم ضمانات معينة.هذا الحذر مفهوم في سياق نزاع طويل ومعقد امتد لعقود.
مصير القيادات
تُعد مسألة مصير قيادات الحزب من القضايا الشائكة التي أخرت اتخاذ القرار النهائي. فقد “تأخر حزب العمال الكردستاني في اتخاذ القرار الحاسم بسبب إشكالية مصير قادة الحزب من الصف الأول والثاني. إذ ترفض تركيا عودة بعض القادة البارزين للحزب إلى أنقرة، وتعرض عليهم بدلاً من ذلك اللجوء إلى دول ثالثة، شريطة موافقتها المبدئية على هذا الأمر”.
أما بالنسبة لعبد الله أوجلان (76 عاماً)، زعيم الحزب المسجون، فلا يزال مصيره غير واضح تماماً. ومع ذلك، فقد أشار مسؤول في حزب العدالة والتنمية التركي إلى إمكانية تخفيف نظام اعتقاله، دون التطرق إلى احتمال إطلاق سراحه.
وقال هذا المسؤول: “ستُتخذ بعض التدابير الإدارية. سيُعيّن ضابط لمساعدته في (سجن) إمرالي. ستُخّفف ظروف الاعتقال… ستزداد كذلك وتيرة اجتماعاته مع حزب المساواة وديموقراطية الشعوب وعائلته”.
وأشار المسؤول نفسه إلى أن أوجلان يخشى على حياته في حال خروجه من السجن، و”يعلم أنه سيواجه مشكلة أمنية حين يخرج”. هذه المخاوف الأمنية قد تؤثر على مصير القيادات الأخرى أيضاً.
مصير المقاتلين العاديين
بالنسبة للمقاتلين العاديين، هناك مؤشرات على أن عملية دمجهم في المجتمع ستكون جزءاً من المرحلة الانتقالية. في سوريا، تشير التقارير إلى وجود خطط حول “كيفية دمج مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين يتمتعون بتسليح وتدريب جيد في الإطار الأمني السوري”.
وبالنسبة للمقاتلين غير السوريين المنضمين إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فإن تركيا تشدد على “ضرورة تفكيكها ودمجها في الجيش السوري كأفراد لا ككتلة مستقلة، وإبعاد العناصر غير السورية من بين صفوفها إلى خارج البلاد”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا سبق أن شهدت استسلام عدد كبير من مقاتلي الحزب في الماضي. فقد كشفت تقارير لوزارة الداخلية التركية عن “استسلام 988 مقاتلا من منظمة حزب العمال الكردستاني من عام 2012 وحتى” عام 2016، ضمن عملية أطلق عليها “السلام الداخلي”.وهذه التجربة السابقة قد تشكل أساساً لآليات استقبال المقاتلين الحاليين.
المطالب والضمانات المتبادلة
يتضح من خلال بيانات الحزب أن تنفيذ قرار الحل يتطلب ضمانات من الجانب التركي. فقد ذكر بيان الحزب أن “تنفيذ هذه القرارات يتطلب أن يُمنح القائد أوجلان حق إدارة وتوجيه المرحلة، وأن يُعترف بحقّه في العمل السياسي، وأن تُوفّر ضمانات قانونية شاملة”.
كما دعا الحزب البرلمان التركي إلى تحمل “مسؤوليته التاريخية”، في إشارة إلى ضرورة سن تشريعات تضمن انتقالاً آمناً للمقاتلين إلى الحياة المدنية.
من جانبها، ترى تركيا أن “قرار تنظيم ‘بي كي كي’ الإرهابي بحل نفسه والتخلي عن السلاح بعد دعوة زعيمه عبد الله أوجلان خطوة مهمة لتحقيق هدف تركيا خالية من الإرهاب”.
وأكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي أن “قرار ‘بي كي كي’ حلّ نفسه وتسليم سلاحه بشكل كامل بما يؤدي إلى إغلاق جميع فروعه وامتداداته وهياكله غير القانونية سيكون نقطة تحول حاسمة”.
تحديات تنفيذ القرار
رغم الخطوة الإيجابية المتمثلة في إعلان حزب العمال الكردستاني قرار حل نفسه، فإن هناك عدة تحديات قد تعترض تنفيذ هذا القرار بشكل كامل:
تعقيدات الوضع الإقليمي
تتداخل مصالح عدة دول في المسألة الكردية، وتوجد أجنحة مختلفة للحركة الكردية في المنطقة. فقد حاول “قائد ‘قسد’ مظلوم عبدي، التملص من دعوة أوجلان بحجة أنها تخص حزب العمال الكردستاني في تركيا، ولا علاقة لها بنشاط ‘قسد’ في سوريا”. هذا يشير إلى احتمال عدم استجابة جميع الفروع المرتبطة بحزب العمال الكردستاني لقرار الحل.
ضمانات الأمان للمقاتلين
تشير بعض التقارير إلى أن مقاتلي الحزب متخوفون من إلقاء السلاح قبل الحصول على ضمانات كافية. وهذه المخاوف مفهومة في سياق نزاع طويل ومعقد، وتحتاج إلى معالجة شفافة وبناءة من قبل جميع الأطراف.
تحديات الدمج
دمج المقاتلين في المجتمع وإعادة تأهيلهم يمثل تحدياً كبيراً على المستويين النفسي والاجتماعي، خاصة بعد سنوات طويلة من العيش في ظروف الصراع المسلح. وتحتاج هذه العملية إلى برامج متخصصة وموارد كافية.
يمثل إعلان حزب العمال الكردستاني قرار حل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح نقطة تحول محتملة في تاريخ الصراع الكردي-التركي. ومع ذلك، فإن مصير مقاتلي الحزب يظل محاطاً بالغموض والتحديات. وتتطلب المرحلة المقبلة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية لضمان انتقال سلمي وآمن للمقاتلين إلى الحياة المدنية، وتوفير الضمانات اللازمة لنجاح هذه العملية.










