تشهد العاصمة الليبية طرابلس توتراً أمنياً متصاعداً، على خلفية تحركات عسكرية واسعة وتحشيدات مكثفة من قبل ميليشيات مسلحة مختلفة، وسط حالة من القلق الشعبي والمخاوف من انزلاق البلاد مجدداً إلى أتون الحرب الأهلية.
وقد دقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ناقوس الخطر، محذرة من تداعيات هذه التحركات على الأمن والاستقرار، داعية قادة الجماعات المسلحة إلى التهدئة وتجنب أي أعمال قد تُشعل فتيل الصراع من جديد.
انفلات أمني وسط انقسام داخلي
وتسود طرابلس أجواء من التوتر، مع تزايد انتشار الميليشيات المسلحة في الشوارع، في ظل أنباء عن خلافات عميقة داخل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وتشير هذه التطورات إلى انقسامات داخلية تُعمّق من حالة الانفلات الأمني في العاصمة.
وتقول مصادر مطلعة إن السيطرة الفعلية على المدينة باتت في قبضة جماعات مسلحة لا تخضع لسلطة الدولة، مستغلة حالة الفراغ السياسي الناتج عن فشل مؤسسات الحكم في غرب البلاد، وهو ما اعتبرته “بيئة خصبة لتنامي نفوذ الميليشيات وسعيها لتحقيق مكاسب ضيقة”.
التحشيدات تتسارع والمخاوف تتزايد
ورُصدت خلال الأيام الماضية تحركات عسكرية قادمة من مدينة مصراتة باتجاه طرابلس، وسط أنباء عن انتشار رتل مسلح في منطقة صلاح الدين. وفي الوقت ذاته، عقدت اجتماعات أمنية محلية شارك فيها وجهاء وأعيان وقادة مجموعات مسلحة من مناطق سوق الجمعة والنواحي الأربع، بهدف احتواء التوتر ودعم الجهود الأمنية الاستباقية.
وفي بيان شديد اللهجة، اتهمت “قوة حماية طرابلس” من وصفتهم بـ”المارقين” بالتحشيد العسكري العدواني، متهمة بعضهم بمحاولة جر العاصمة إلى “حرب عبثية” لتحقيق أهداف سياسية ضيقة على حساب دماء الليبيين.
ردود دولية وإقليمية
دعت بعثة الأمم المتحدة إلى وقف التصعيد، مؤكدة أهمية الحوار لحل الخلافات، وشددت على مسؤولية جميع الأطراف في حماية المدنيين وتجنب الأعمال العدائية. كما أصدرت السفارة الأمريكية بياناً عبر منصة “إكس”، أعربت فيه عن قلقها إزاء التحركات المسلحة غرب البلاد.
من جانبه، أكد الاتحاد الأوروبي دعمه الكامل لنداءات التهدئة، داعياً إلى تجنب مزيد من الانزلاق الأمني في ظل غياب مؤسسات موحدة.
البرلمان يحمّل السياسيين المسؤولية
وفي الداخل، عبّر 13 نائباً في البرلمان الليبي عن قلقهم من تدهور الأوضاع، معتبرين أن العاصمة أصبحت رهينة بيد الجماعات المسلحة، وحمّلوا الطبقة السياسية المسؤولية عن هذا التدهور، نتيجة فشل توحيد مؤسسات الدولة وتعطيل تشكيل حكومة موحدة.
رهانات على لجنة 5+5
تعوّل الأوساط الليبية والدولية على إعادة تفعيل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تشكلت بموجب اتفاق برلين، وتضم ممثلين عن القوات العسكرية في شرق وغرب البلاد، بهدف توحيد المؤسسة العسكرية وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020.
المدنيون في مرمى الخطر
منذ سقوط نظام القذافي عام 2011، لم تعرف ليبيا الاستقرار، وازدادت الأوضاع سوءاً بعد الانقسام الحكومي في 2022 بين حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، وحكومة بنغازي المدعومة من البرلمان.
وشهدت طرابلس موجات من الاشتباكات المسلحة، كان أحدثها في أبريل 2024، حين اضطرت عائلات إلى الفرار من المتنزهات خلال عطلة العيد بسبب اندلاع معارك بين مجموعات متناحرة.
ليبيا على مفترق طرق
مع تصاعد التوترات في طرابلس، يقف مستقبل ليبيا عند مفترق حاسم: إما الانزلاق مجدداً إلى الحرب، أو العودة إلى مسار سياسي جامع، ينهي حالة الانقسام عبر حوار شامل وانتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها.
ويبقى المواطن الليبي هو الخاسر الأكبر في هذا المشهد المضطرب، في بلد يمتلك ثروات ضخمة لكنه يعاني من غياب الدولة وتغول السلاح، في ظل انتظار طويل لحل شامل يعيد الأمن والاستقرار.










