في تطور لافت وغير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية-السعودية، تواجد اليوم مراسل قناة “كان 11” الإسرائيلية، التابعة لهيئة البث العامة، في العاصمة السعودية الرياض لتغطية زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مقدّمًا تقارير مباشرة باللغة العبرية من داخل المملكة.
ويأتي هذا الظهور العلني وسط تكتم رسمي سعودي، دون أي إعلان واضح عن طبيعة الزيارة أو حدود التغطية الإعلامية الإسرائيلية، ما أثار تساؤلات واسعة في الأوساط العربية والإعلامية حول مستقبل العلاقات بين السعودية وإسرائيل، خصوصاً في ظل الحديث المتصاعد عن اتفاقات تطبيع جديدة في المنطقة.
ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن الصحفي الإسرائيلي حصل على تصريح رسمي لدخول الأراضي السعودية وتغطية الحدث، ما يُعد سابقة تاريخية تعكس تغيرًا في السياسة الإعلامية للمملكة تجاه الصحافة الإسرائيلية.
ماذا يعني هذا الحدث؟
- رسالة سياسية مباشرة: تواجد إعلامي إسرائيلي علني في الرياض يحمل دلالة قوية على احتمالية تقدم الاتصالات السرية بين الرياض وتل أبيب نحو مراحل أكثر انفتاحًا.
- اختبار للشارع العربي: يضع هذا الحدث المجتمعات العربية أمام واقع جديد، يتم فيه استضافة إعلام إسرائيلي في عواصم عربية تاريخيًا كانت تعتبر ذلك خطًا أحمر.
- الرياض في دائرة الضوء: مع تزامن الحدث مع زيارة ترامب، تزداد التكهنات حول وجود تفاهمات إقليمية جديدة برعاية أميركية، ربما تمهد لتطبيع سعودي إسرائيلي خلال الفترة المقبلة.
ردود فعل متباينة
لاقى الظهور الإعلامي الإسرائيلي في السعودية ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره البعض مؤشرًا خطيرًا على تسارع خطوات التطبيع، فيما رأى آخرون أنه جزء من سياسة واقعية جديدة تنتهجها المملكة في تعاملها مع الملفات الإقليمية والدولية.
ويشهد ملف التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تعقيدات متزايدة، حيث وضعت الرياض شرطا واضحا لا لبس فيه: إقامة دولة فلسطينية كمدخل لأي تقدم في العلاقات. في ظل ذلك، يزور مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف واتكوف، السعودية، في محاولة جديدة لتجاوز العقبات.
ورغم الضغوط الأميركية، تظل السعودية متمسكة بموقفها، وهو ما أيده العديد من المحللين السياسيين والخبراء.
موقف ثابت
يؤكد السفير السعودي لدى بريطانيا، الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز، أن المملكة لن تمضي قدما في تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بتحقيق السلام العادل والشامل، مشددا على أن “إقامة دولة فلسطينية هو الحل الوحيد لإنهاء عقود من المعاناة”.
ويقول الباحث السياسي مبارك العاتي خلال حديثه للظهيرة على سكاي نيوز عربية: “السعودية تسير وفق استراتيجية مدروسة، توازن بين مصالحها الوطنية والقومية مع الحفاظ على مركزية القضية الفلسطينية.. المملكة ترفض أي مبادرات لا تحقق طموحات الفلسطينيين”.
تعقيدات المشهد الدولي والإقليمي
يرى أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، أن الموقف السعودي يمثل حجر الزاوية في تحريك ملف السلام، ويشير إلى أن: “المملكة دشنت تحالفا دوليا يدعو لحل الدولتين، وتواصل العمل على تنسيق الجهود العربية لضمان موقف موحد ضد الضغوط الأميركية والإسرائيلية”.
من ناحية أخرى، يعكس الموقف الإسرائيلي تعنتا مستمرا، إذ يوضح المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ألون أفيتار: “المجتمع الإسرائيلي غير مستعد لقبول فكرة إقامة دولة فلسطينية، سواء على مستوى اليمين السياسي أو حتى الأحزاب الأخرى”.
تأتي زيارة واتكوف كأول تحرك أميركي رسمي منذ انتهاء ولاية ترامب، لكنها تواجه تحديات حقيقية. فمن ناحية، تسعى واشنطن لتسريع التطبيع ضمن أجندتها الإقليمية، ومن ناحية أخرى، تواجه مواقف سعودية صارمة لا مجال لتجاوزها.
ويضيف العاتي: “ترامب قد يطمح لدور صانع السلام، لكن المملكة لن تسمح بأي تنازل عن ثوابتها. موقفها يستند إلى الشرعية الدولية وإرادة الشعب الفلسطيني”.
الموقف العربي والفلسطيني
يشدد فهمي على أن وحدة الموقف العربي والفلسطيني ضرورة قصوى لضمان نجاح أي مفاوضات: “العالم العربي بحاجة إلى قمة عربية مصغرة تُعيد ترتيب الأولويات، مع توحيد الصف الفلسطيني الذي يظل أحد المفاتيح الأساسية لدعم الموقف السعودي”.
موقف صلب أمام محاولات التسريع
بينما تتسارع الأحداث، يظل الموقف السعودي هو القاعدة الثابتة التي تُبنى عليها أي مبادرات. فالسعودية تضع القضية الفلسطينية في قلب تحركاتها الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل التطبيع مع إسرائيل مرهونًا بحل جذري يعيد الحقوق الفلسطينية، ويضمن سلامًا عادلًا وشاملًا.









