تكتسي الجولة الحالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية ودول الخليج أهمية استثنائية، في ضوء التغيرات الكبيرة التي شهدتها الساحتان الإقليمية والعالمية منذ زيارته الأولى للرياض عام 2017.
بينما حافظ ترامب على تقليده باختيار السعودية كأول وجهة خارجية بعد توليه منصبه، إلا أن أجندة 2025 تبدو مختلفة بشكل جذري عن سابقتها، إذ تحولت الأولويات من التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف إلى استكشاف آفاق اقتصادية جديدة واستثمارات ضخمة في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، في ظل مشهد إقليمي متغير وتحديات عالمية مستجدة.
وفي 2017، جاءت الزيارة في أعقاب اتفاقية باريس للمناخ وصراعات الشرق الأوسط المتفجرة، مع تركيز على مواجهة “التهديد الإيراني” وتحالف ضد تنظيم داعش.
بينما في 2025، تأتي الزيارة بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع نفوذ الحوثيين في اليمن، وتصاعد التنافس مع الصين في المجال التكنولوجي، مما دفع الرياض لوضع استراتيجيات تعكس تحولاً نحو “عالم متعدد الأقطاب”.
ديناميكيات التحالف الأمريكي-السعودي
في 2017، مثّلت الصفقة الأمنية بقيمة 110 مليارات دولار للأنظمة الدفاعية ذروة التعاون، مع تأكيد واشنطن على دور الرياض كحليف استراتيجي في مواجهة إيران.
أما في 2025، فقد تحول التركيز إلى شراكات تكنولوجية، حيث تسعى السعودية للحصول على دعم أمريكي في برامج الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية السلمية، بينما تهدف واشنطن لجذب استثمارات سعودية في شركات التكنولوجيا الأمريكية بقيمة تصل إلى تريليوني دولار.
كانت زيارة ترامب الأولى للسعودية في مايو 2017 حدثًا بارزًا في مسيرته الرئاسية، حيث اختارها لتكون أول محطة خارجية له بعد توليه السلطة، مخالفًا بذلك التقليد الأمريكي بزيارة الحلفاء الغربيين أولًا.
من صفقات السلاح إلى استثمارات المستقبل
شهدت زيارة نارمب إلى السعودية في 2017 توقيع صفقة أسلحة تاريخية بقيمة 400 مليار دولار مع الرياض ، وصفت بأنها الأكبر في تاريخ العالم، شملت الصفقة طائرات ودبابات وسفن قتالية وأنظمة دفاع صاروخي ورادارات وتكنولوجيا الاتصالات والأمن السيبراني.
كما كانت العقود النفطية تشكل 40% من إجمالي الاتفاقيات، مع تعهدات بزيادة إنتاج النفط لدعم الأسواق العالمية.
وتختلف زيارة ترامب 2025 إلى للسعودية بشكل جوهري في أهدافها وأولوياتها عن زيارة 2017، مع تحول التركيز نحو الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجيا المتقدمة.
ويسعى ترامب خلال زيارته الحالية إلى الحصول على استثمارات سعودية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي، حيث تشير التوقعات إلى أنه يطمح للحصول على ما يصل إلى تريليون دولار من الاستثمارات.
وقد سبق أن صرح ترامب: “آخر مرة ذهبت إلى السعودية، قدموا 450 مليون دولار”، مشيرًا إلى رغبته في الحصول على استثمارات جديدة.
استثمارات في التكنولوجيا المتقدمة
أصبح التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في صدارة أهداف زيارة ترامب 2025، حيث تتضمن أجندة الزيارة “الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والرقائق والتصنيع والطاقة”.
وتخصيص 600 مليار دولار لمشاريع الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية، بالشراكة مع شركات مثل تسلا وإنتل.
ويربط المحللون هذا التحول بالبعد الاقتصادي المستقبلي الذي باتت التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، جزءًا أساسيًا منه.
المشروع النووي السعودي
من الأهداف الجديدة التي لم تكن حاضرة بقوة في زيارة 2017 مناقشة البرنامج النووي السلمي السعودي، حيث تسعى المملكة للحصول على موافقة أمريكية لبناء برنامج نووي سلمي.
وتوقيع اتفاقيات لبناء مفاعلات نووية سلمية في السعودية بدعم أمريكي، كجزء من رؤية 2030.
وتحول واشنطن إلى دولة مصدرة للنفط قلّص الاعتماد على النفط السعودي، مما دفع الرياض لتعزيز شراكاتها مع الصين والهند، مع الحفاظ على التوازن مع المصالح الأمريكية.
التحول في الأولويات الإقليمية
رغم التحول في التركيز نحو الاقتصاد، لا تزال الملفات السياسية والأمنية حاضرة، خاصة الملف الإيراني والحرب في غزة، ستشمل المباحثات جهود إنهاء حرب غزة وتفكيك البرنامج النووي الإيراني والحفاظ على استقرار أسعار النفط.
2017: محاربة الإرهاب ومواجهة إيران
في زيارة ترامب 2027 ركز الرئيس الأمريكي وقادة الخليج وخاصة السعودية على محاربة الإرهاب ومواجهة إيران.
ثلاث قمم في 2017 وقمة في 2025
كما شهدت الزيارة عقد تميزت تلك الزيارة بثلاث قمم رئيسية جمعت قادة العالمين العربي والإسلامي، وكانت أهدافها واضحة ومحددة.
وركزت أجندة ترامب في 2017 على توحيد الصف العربي والإسلامي لمواجهة الإرهاب وإيران، وألقى خطابًا أمام 50 زعيمًا من دول إسلامية مركزًا على “بناء شراكات أمنية أكثر فاعلية من أجل مكافحة ومنع التهديدات الدولية المتزايدة للإرهاب والتطرف”، كما تم إطلاق “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” خلال تلك الزيارة.
وتم تخصيص 60% من الصفقات الموقعة لأنظمة دفاعية لمواجهة التهديدات الإيرانية والميليشيات.
تحولات جذرية في المشهد الإقليمي بين 2017 و2025
بين زيارتي ترامب 2017 و2025 إلى السعودية ودول الخليج، شهدت المنطقة تغيرات دراماتيكية أعادت رسم خريطة التحالفات والنفوذ في الشرق الأوسط، مما انعكس على أجندة زيارة ترامب الحالية.
تراجع خطر تنظيم داعش الذي كان يشكل تهديدًا وجوديًا للمنطقة في 2017. كما شهدت المنطقة تحولات جيوسياسية كبرى تمثلت في عودة العلاقات الخليجية الإيرانية وتبادل الزيارات بين الطرفين، واستعادة سوريا لمكانتها ضمن الصف العربي بعد سقوط نظام الأسد، وتحرير لبنان من سيطرة الميليشيات التابعة لإيران.
وأدت هذه التطورات إلى “تقليص نفوذ طهران في المنطقة وانكفائها داخل حدودها، إضافة إلى استسلام الحوثيين للضغوط الدولية بقيادة الولايات المتحدة”.
2025: إدارة التوترات وتنويع التحالفات
التطبيع الخليجي-الإسرائيلي: مناقشة توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل دولاً عربية أخرى، مع ضمانات أمنية أمريكية.
إدارة الملف الفلسطيني: الضغط لتنفيذ “صفقة القرن” عبر مشاريع استثمارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تجنب المواقف العلنية المثيرة للجدل.
من الواضح أن زيارة ترامب للسعودية في 2025 تعكس تحولًا كبيرًا في أولويات الرئيس الأمريكي مقارنة بزيارته الأولى في 2017. فبينما ركزت الزيارة الأولى على التحالف ضد الإرهاب واحتواء إيران والصفقات العسكرية، تركز الزيارة الحالية على الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، مع استمرار حضور القضايا الأمنية والسياسية التقليدية لكن بحجم أقل.










