وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على بيع حزمة أسلحة ضخمة للمملكة العربية السعودية بقيمة تقارب 142 مليار دولار، في ما اعتبرته الإدارة الأمريكية أكبر اتفاق للتعاون الدفاعي في تاريخها. جرى الإعلان عن الصفقة خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، وتضم عقودًا مع أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاعية أمريكية في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي، وتعزيز قدرات القوات الجوية، وتطوير قطاع الفضاء، والأمن البحري، والاتصالات.
ورغم الاحتفاء الرسمي بالصفقة باعتبارها دليلاً على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، إلا أن قراءة متأنية للأبعاد الاقتصادية والسياسية تثير تساؤلات جوهرية حول مدى جدوى هذا الإنفاق الضخم، وتداعياته على الاقتصاد السعودي واستقلال القرار السيادي للمملكة.
خلفيات الصفقة: استثمار أم استنزاف؟
تأتي هذه الصفقة في سياق سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية بين الرياض وواشنطن، حيث تعد السعودية أكبر مستورد للسلاح الأمريكي في العالم. ويلاحظ أن حجم الصفقة الحالية يفوق جميع الاتفاقات السابقة، ويعزز من مكانة الشركات الأمريكية الكبرى مثل بوينغ ولوكهيد مارتن ورايثيون. ورغم ذلك، لم تُعلن الإدارة الأمريكية عن تفاصيل دقيقة حول نوعية المعدات أو أسماء الشركات المعنية، كما بقي ملف تزويد السعودية بمقاتلات إف-35 معلقًا بسبب تحفظات أمريكية تتعلق بتفوق إسرائيل العسكري في المنطقة.
مكاسب أمريكية وخسائر سعودية محتملة
تعزيز الاقتصاد الأمريكي على حساب السيولة السعودية
تعود الصفقة بفوائد اقتصادية مباشرة على الولايات المتحدة، حيث تدعم صناعة السلاح وتوفر آلاف الوظائف، وتنعش أرباح الشركات الدفاعية العملاقة. في المقابل، تمثل هذه الأموال استنزافًا لاحتياطيات السعودية من النقد الأجنبي، في وقت تواجه فيه المملكة تحديات اقتصادية كبيرة تتعلق بتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
التبعية التكنولوجية وتحديات توطين الصناعات
رغم الحديث المتكرر عن نقل التكنولوجيا ضمن رؤية السعودية 2030، إلا أن معظم صفقات التسليح مع الولايات المتحدة لم تحقق حتى الآن قفزات نوعية في بناء قاعدة صناعية محلية قوية. ويؤدي الاعتماد المفرط على المنظومات الغربية إلى تعقيد عمليات الصيانة والتدريب والإمداد، ما يضعف الكفاءة التشغيلية للقوات المسلحة السعودية ويزيد من تكاليف التشغيل والدعم الفني.
مخاطر سياسية وتضييق هامش القرار السيادي
ترتبط صفقات السلاح الأمريكية عادة بشروط سياسية غير معلنة، منها تقييد التعاون العسكري مع دول منافسة لواشنطن مثل الصين وروسيا. كما أن استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية يجعل السعودية رهينة للقرار السياسي الأمريكي، خاصة مع إمكانية فرض حظر أو تعليق الصفقات في حال حدوث توترات سياسية أو انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان أو النزاعات الإقليمية، كما حدث سابقًا في ملف حرب اليمن.
جدوى الإنفاق الدفاعي في ظل تحديات التنمية
رغم ضخامة الإنفاق العسكري السعودي، لا تزال المملكة تواجه تحديات في تنمية قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية. وتثير هذه الصفقة تساؤلات حول مدى توافقها مع أولويات التنمية المستدامة، خاصة أن التجارب السابقة أظهرت ضعف مردود بعض صفقات السلاح على الأمن الفعلي للدولة، في ظل غياب استراتيجية دفاعية وطنية متكاملة.
خلاصة: الأمن الوطني بين الحاجة والاستقلال
لا شك أن السعودية تسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية في منطقة مضطربة، لكن الاعتماد المفرط على السلاح الأمريكي بهذا الحجم يطرح علامات استفهام حول جدوى هذا الإنفاق الضخم، ومدى تحقيقه لمصالح المملكة على المدى البعيد. وبينما تحتفي واشنطن بمكاسبها الاقتصادية والسياسية، تظل السعودية مطالبة بإعادة تقييم سياساتها الدفاعية، والعمل بجدية أكبر على توطين الصناعات العسكرية، وتنويع مصادر التسليح، وربط الإنفاق الدفاعي باستراتيجية وطنية تضع الأمن القومي والتنمية المستدامة في مقدمة الأولويات.
قدرة الدولة على تنويع مصادر تسليحها تجعلها في مأمن من تقلبات السياسة الدولية، لكن تعدد مصادر التسليح بشكل مبالغ فيه قد يؤثر على كفاءة الجيش رغم النفقات الضخمة.
في النهاية، تبقى صفقة 142 مليار دولار اختبارًا لقدرة السعودية على تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن الوطني واستقلال القرار الاقتصادي والسياسي، بعيدًا عن فخ التبعية والإنفاق غير المنتج.





