في تطور لافت يعكس عمق التوترات الروسية-الأوكرانية، كشفت صحيفة “موسكو تايمز”، نقلاً عن مصادر حكومية ودبلوماسية مطلعة، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن ينوي أصلاً لقاء نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول، رغم دعوة الأخير العلنية لإجراء محادثات مباشرة.
ورغم أن الكرملين لم يرفض الدعوة علناً، إلا أن الغموض الذي أحاط بخطط بوتين حتى اللحظة الأخيرة، وعدم تأكيده المشاركة في القمة، أظهر ما وصفته مصادر دبلوماسية بـ”التردد الاستراتيجي”، خاصة في ظل ضغوط غير مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفع بوتين نحو التفاوض.
تكتيك سياسي أم رفض شخصي؟
وفق التقرير، يرى بوتين أن زيلينسكي ليس ندًّا له، ولن يوافق على مقابلته إلا في حالة “استسلام علني”. ومع ذلك، فإن تجنب اللقاء لم يكن قراراً سهلاً، إذ تخشى موسكو توجيه رفض واضح قد يُغضب واشنطن، خصوصاً ترامب، الذي لمح إلى احتمال حضوره القمة في حال شارك بوتين.
الدبلوماسي الروسي السابق بوريس بونداريف وصف صمت الكرملين بأنه تكتيك مقصود، يهدف إلى إبقاء أوكرانيا وحلفائها في حالة توتر، مع إبقاء الباب مفتوحاً لتعديلات مفاجئة في خطة موسكو التفاوضية.
زيلينسكي خارج المعادلة؟
الموقف الروسي، كما نقلته الصحيفة، لا يعترف بزيلينسكي شريكاً شرعياً في أي مفاوضات، إذ تعتبره موسكو “غير شرعي” منذ انتهاء ولايته في 2024، رغم تعذر إجراء انتخابات في أوكرانيا بسبب الأحكام العرفية.
مسؤول روسي صرّح بوضوح: “زيلينسكي مؤهل فقط لتوقيع اتفاق استسلام. لا أكثر.”
لعبة ترامب وبوتين
العامل الأهم في الكواليس كان تداخل ملف أوكرانيا مع مساعي ترامب للعب دور الوسيط الدولي. وتقول المصادر إن الكرملين لا يريد مواجهة مباشرة مع ترامب، ويحرص على عدم الظهور بموقف رافض لدعوته.
وتشير التحليلات إلى أن بوتين ربما يفكر بلقاء ترامب فقط في إسطنبول، متجاهلاً زيلينسكي، في محاولة لترسيخ صورة روسيا كقوة تتفاوض مباشرة مع واشنطن، لا مع كييف “التابعة”، بحسب وصف الكرملين.
أهداف موسكو وواقع الصراع
بحسب الخبير ألكسندر غابوييف، فإن الكرملين يسعى لإقناع ترامب بأن روسيا مستعدة للسلام، لكن بشروط مستحيلة التنفيذ: الاعتراف بمكاسبها الإقليمية، تقليص الجيش الأوكراني، وتغيير نظام الحكم في كييف.
ورغم الجهود الدبلوماسية، لا يزال بوتين يراهن على أن الفشل في التفاوض سيمنحه مبرراً لتصعيد عسكري جديد. وإذا لم يحصل على تنازلات من ترامب، فالمعركة ستُستأنف ميدانياً، وفق ما أشار إليه غابوييف.
رفض بوتين لقاء زيلينسكي ليس مجرد موقف سياسي، بل استراتيجية محسوبة، تجمع بين إضعاف خصمه، ومراعاة ديناميكيات العلاقة الحساسة مع واشنطن. وبينما تسعى أوكرانيا لحوار مباشر، يبدو أن الكرملين ما زال يلعب لعبة الأعصاب الطويلة، ويحتفظ بأوراقه الدبلوماسية والعسكرية لمراحل لاحقة.











