في تحول مفاجئ على الساحة الدبلوماسية، أعطى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الضوء الأخضر لإعادة فتح ملف الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، بشرط أن يوافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “الخطوط الحمراء” لطهران.
هذه الخطوة غير المسبوقة تأتي بعد سنوات من الجمود والعداء العلني، وتعكس تحولا في الحسابات الاستراتيجية لنظام خامنئي، وسط ضغوط اقتصادية غير مسبوقة ومخاوف وجودية متزايدة.
من “لن نتفاوض مع ذلك الرجل” إلى الضوء الأخضر
في عام 2019، رفض خامنئي علنا فكرة التفاوض مع ترامب، واصفا إياه بـ”ذلك الرجل”، لكنه اليوم، أمام الانهيار الاقتصادي والتحديات الإقليمية، بات يعتبر الدبلوماسية وسيلة لتجنب الحرب لا أكثر.
وإذ تدرك القيادة الإيرانية أن الاستمرار في التصعيد قد يؤدي إلى كارثة استراتيجية، خاصة في ظل تراجع الدعم الروسي والصيني وتزايد عزلة إيران الإقليمية والدولية،وفقا لتقرير مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
الحرس الثوري: من حجر العثرة إلى الضامن
لا يظهر الحرس الثوري الإسلامي معارضا للمحادثات الجديدة، بل يبدو أنه أصبح شريكا استراتيجيا لخامنئي في صياغة هذا المسار.
ووفق مصادر قريبة من النظام، فإن الحرس يشارك خامنئي هدف “شراء الوقت” وتعزيز الردع، دون أن يتخلى عن مواقفه الثابتة أيديولوجيا، الرسالة واضحة: المفاوضات ليست ضعفا، بل وسيلة لحماية الخطوط الحمراء الإيرانية.
الداخل الإيراني: دعم شعبي وضغوط اقتصادية
في الداخل، يحظى خيار التفاوض بدعم شعبي واسع، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من 80% من الإيرانيين يفضلون فتح قنوات دبلوماسية مع واشنطن.
وتأثير هذه المحادثات يلمس حياة الناس فورا، كما حدث مؤخرا حين أدت جولة محادثات إيجابية في عمان إلى ارتفاع سعر الريال بنسبة 20% خلال ساعات.
حسابات ترامب وفريقه
يبدو أن طهران تعول على واقعية ترامب السياسية. فإيران ترى أن الرئيس الأمريكي أقل تمسكا بالمبادئ العقائدية وأكثر ميلا لعقد الصفقات.
ووفقا لمصادر داخل النظام الإيراني، فإن التواصل السري مع فريق ترامب لم يتوقف خلال العامين الماضيين، تحسبا لاحتمال عودته إلى البيت الأبيض بعد انتخابات 2024.
لعبة “المسافة المحسوبة”
يتقن خامنئي وحلفاؤه البراغماتيون، من أمثال وزير الخارجية عباس عراقجي والرئيس مسعود بزشكيان، لعبة الحفاظ على المسافة الرمزية من واشنطن، مع الاستمرار الفعلي في التفاوض.
اللقاءات المباشرة بين عراقجي ومبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، باتت منتظمة، بينما يروج إعلام النظام لفكرة “المفاوضات غير المباشرة” لحفظ ماء الوجه.
التحدي الأكبر: إدارة التوقعات
يدرك خامنئي أن المبالغة في التفاؤل الشعبي قد تأتي بنتائج عكسية. فالاتفاق النووي الجديد، حتى لو أبرم، لن ينهي كل العقوبات الأمريكية ولن يصلح الاقتصاد المنهار وحده. ولذلك، يحذر خامنئي المتشددين من التصعيد، وفي الوقت ذاته، يطلب من مؤيدي الاتفاق ضبط سقف التطلعات.
رسائل إلى الداخل والخارج
التصريحات الرسمية الأخيرة، بما فيها تحذير خامنئي من “التحليلات الخاطئة أو النفاد من الصبر”، كانت موجهة إلى المتشددين الذين يعتبرون التفاوض مع ترامب خيانة.
وحتى هؤلاء المعارضين، بمن فيهم سعيد جليلي، باتوا مضطرين لدعم المحادثات، ولو ظاهريا، لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع خامنئي والحرس الثوري.
يراهن خامنئي على أن ترامب، رغم كل العداء السابق، قد يكون الشريك الواقعي القادر على إعادة إيران إلى اللعبة الدولية بشروط تحفظ “كرامة النظام”.
وفي المقابل، يسعى لترويض المتشددين، وضبط توقعات المؤيدين، وشراء الوقت في معركة وجودية تعيد تشكيل موازين القوى داخل وخارج إيران.
لكن الرهان محفوف بالمخاطر، والنتائج مرهونة بقدرة خامنئي على السير على الحبل المشدود بين الردع والمصالحة، دون السقوط.










