في مشهد مهيب يليق بمكانته الروحية والاجتماعية، ودّعت مصر والعالم الإسلامي يوم الثلاثاء 13 مايو 2025 الشيخ عبد الحكيم الشهاوي، شيخ الطريقة الشهاوية البرهامية وأحد أبرز رموز التصوف السني المعاصر. الشيخ الراحل لم يكن مجرد قطب روحي، بل كان قائداً مجتمعياً حمل هموم قريته نمرة البصل بمحافظة الغربية، وسعى لنهضتها بالعلم والإصلاح والمواقف الشجاعة. مسيرته المتميزة جمعت بين الإخلاص في العبادة، وخدمة الناس، والدعوة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، لتُكتب نهاية حياة استثنائية خلّفت أثراً لن يُمحى في قلوب الآلاف من المريدين والمحبين.
وانتقل إلى رحمة الله تعالى مساء يوم الثلاثاء 13 مايو 2025 الشيخ عبد الحكيم الشهاوي، شيخ الطريقة الشهاوية في مصر والعالم الإسلامي، تاركاً وراءه إرثاً روحياً وخدمياً كبيراً. كان الراحل من أبرز رموز التصوف في العصر الحديث وقد شُيعت جنازته بحضور الآلاف من المحبين والمريدين في موكب مهيب بقرية نمرة البصل التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية. تميزت مسيرة الشيخ الشهاوي بالجمع بين الاهتمام بالجانب الروحي والتصوف من جهة، والاهتمام بخدمة مجتمعه المحلي وتنميته من جهة أخرى، حيث قاد العديد من المساعي لتطوير قريته ورفع مستوى الخدمات التعليمية والبنية التحتية فيها.
حياة الشيخ
عاش الشيخ عبد الحكيم الشهاوي في قرية نمرة البصل التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وكان يقيم في منزل متواضع مكون من عدة طوابق بالقرية. اكتسب الشيخ الشهاوي مكانة روحية مرموقة بين أبناء محافظة الغربية ومريدي الطريقة الشهاوية، وكان يُعرف بـ”شيخ الطريقة الشهاوية في مصر والعالم الإسلامي”.
كان للشيخ حضور قوي في الحياة الدينية والاجتماعية بقريته، حيث ارتبط اسمه بالجامع الكبير بنمرة البصل الذي كان يقيم فيه الصلوات ويلقي الدروس والمواعظ ويحضر فيه الاحتفالات والحضرات الصوفية. استمر نشاط الشيخ الروحي والاجتماعي حتى أيامه الأخيرة، مما جعله محط احترام وتقدير أهالي القرية والمناطق المحيطة بها.
اشتهر الشيخ عبد الحكيم الشهاوي بالتواضع والبساطة في تعامله مع الناس، فضلاً عن حرصه الدائم على خدمة مجتمعه والارتقاء بمستوى المعيشة في قريته، محملاً نفسه مسؤولية النهوض بها وتحقيق التنمية فيها على مختلف الأصعدة.
الطريقة ومكانتها في التصوف الإسلامي
الطريقة الشهاوية البرهامية هي طريقة صوفية سُنيّة متفرعة من الطريقة الدسوقية المنسوبة لمؤسسها إبراهيم الدسوقي. وتعد الطريقة الدسوقية أو البرهامية أو البرهانية من الطرق الصوفية السنية المهمة التي انتشرت في مصر والعالم الإسلامي، وقد تفرعت منها تسع طرق فرعية، من بينها الطريقة الشهاوية البرهامية.
كان الشيخ عبد الحكيم الشهاوي يمثل امتداداً لسلسلة مشايخ الطريقة الشهاوية، حيث ذكرت بعض المصادر أن شيخ الطريقة في وقت سابق كان “محمد أبو المجد الشهاوي”. وقد واصل الشيخ عبد الحكيم مسيرة أسلافه في نشر تعاليم الطريقة الشهاوية التي تستند إلى الفكر الصوفي المعتدل.
يعد الشيخ الشهاوي من أبرز رموز الطرق الصوفية في العصر الحديث، وكانت له إسهامات كبيرة في تعزيز الحوار الديني ونشر الفكر الصوفي المعتدل في مختلف المحافل الإسلامية. وقد حرص على ترسيخ قيم التسامح والمحبة بين أتباع الطريقة الشهاوية ومريديها، مما جعل له مكانة خاصة في قلوب محبيه.
جهود الشيخ
لم يقتصر دور الشيخ عبد الحكيم الشهاوي على الجانب الروحي والديني فحسب، بل امتد ليشمل خدمة مجتمعه والسعي لتنمية قريته نمرة البصل. فقد بذل جهوداً حثيثة من أجل تحسين مستوى الخدمات في القرية، لا سيما في مجال التعليم والبنية التحتية.
من أبرز مساعي الشيخ الشهاوي في هذا المجال سعيه لإنشاء مجمع إسلامي تعليمي يضم معاهد ابتدائية وإعدادية وثانوية للبنين والبنات. وقد واجه في سبيل تحقيق هذا الهدف العديد من التحديات والصعوبات من المسؤولين وبعض أهالي القرية، كما صرح بذلك بنفسه قائلاً: “احنا جرينا علشان نجيب مجمع إسلامي ابتدائي مشترك وفتيات إعدادي وفتيات ثانوي”.
كما عمل الشيخ على التنسيق مع الجهات المعنية للحصول على الموافقات اللازمة لإقامة المشروعات التنموية، وتعاون في ذلك مع مؤسسات مختلفة مثل بنك الزكاة بالقاهرة وشيوخ الأزهر. وقد أشار في إحدى كلماته بالجامع الكبير بنمرة البصل إلى الجهود المبذولة والمعوقات التي تواجه تنمية القرية، وذلك بحضور أعضاء مجلس النواب.
لم يتوان الشيخ الشهاوي عن مواجهة التحديات التي اعترضت مسيرته التنموية، وظل يسعى جاهداً لتحقيق أهدافه النبيلة حتى آخر أيام حياته. وقد عبّر عن معاناته في هذا الشأن بقوله: “كلما نجري خطوة وخطوة يرجعونا خطوة”، لكنه لم ييأس وواصل العمل والجهد.
وفاة الشيخ
توفي الشيخ عبد الحكيم الشهاوي مساء يوم الثلاثاء 13 مايو 2025، ونعاه في اليوم نفسه الشيخ يسري عزام، إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص، عبر منشور على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك قائلاً: “انتقل إلى رحمة الله ورضوانه شيخي وأستاذي سيدي الشيخ عبد الحكيم الشهاوي، شيخ الشهاوية بمصر والعالم الإسلامي”.
وقد شُيعت جنازة الشيخ الشهاوي يوم الأربعاء 14 مايو 2025، بحضور الآلاف من أبناء محافظة الغربية الذين توافدوا من مختلف قرى ومراكز المحافظة، بالإضافة إلى عدد من المحافظات الأخرى، لأداء صلاة الجنازة على الراحل بمسجد نمرة البصل في مركز المحلة الكبرى. كما حضر الجنازة عدد من رموز الطرق الصوفية والقيادات الدينية والاجتماعية، تأكيداً على المكانة الرفيعة التي كان يحتلها الشيخ في قلوب محبيه ومريديه.
وعقب الصلاة، تم نقل جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير وسط مشاعر من الحزن والتأثر، حيث ردد المشاركون من أبناء محافظة الغربية الأدعية والابتهالات الصوفية، مستحضرين مسيرة الرجل الذي كرس حياته لخدمة الطريقة الشهاوية ونشر تعاليمها في رحاب التسامح والمحبة.
أقيمت ليالي العزاء بحضور كبير عقب وفاته، حيث وصفت بأنها من “أكبر ليالي محافظة الغربية” وشهدت حضوراً حاشداً وصل إلى “200 سقف كامل العدد”، كما تميزت بإبداع الشيخ محمود الخشت في قراءة القرآن الكريم.
إرث الشيخ وتأثيره
يترك الشيخ عبد الحكيم الشهاوي وراءه إرثاً روحياً وخدمياً كبيراً، فقد كان من أبرز رموز الطرق الصوفية في العصر الحديث، وله إسهامات كبيرة في تعزيز الحوار الديني ونشر الفكر الصوفي المعتدل في مختلف المحافل الإسلامية. وقد عُرف بحرصه على ترسيخ قيم التسامح والمحبة بين أتباع الطريقة، والابتعاد عن التطرف والغلو.
كما يترك الشيخ إرثاً اجتماعياً متمثلاً في مساعيه الحثيثة لتنمية قريته والارتقاء بمستوى المعيشة فيها، وإن كانت بعض هذه المساعي قد واجهت تحديات وعقبات حالت دون تحقيقها بشكل كامل. ومع ذلك، فقد ترك بصمة واضحة في نفوس أهالي قريته والمناطق المحيطة بها، وسيظل ذكره حياً بينهم لسنوات طويلة.
وقد تجلت مكانة الشيخ الشهاوي في تلك الأعداد الغفيرة التي حضرت تشييع جنازته وليالي العزاء، وفي تلك المشاعر الصادقة من الحزن والأسى التي عبر عنها محبوه ومريدوه، وفي تلك الكلمات التي نُعي بها من قِبل شخصيات دينية واجتماعية مرموقة.
برحيل الشيخ عبد الحكيم الشهاوي، فقدت مصر والعالم الإسلامي أحد أبرز رموز التصوف المعاصر، وأحد أهم مشايخ الطريقة الشهاوية الذين كرسوا حياتهم لنشر تعاليم الإسلام الوسطي المعتدل وقيم التسامح والمحبة. كما فقدت قرية نمرة البصل أحد أبرز أبنائها الساعين لتنميتها والنهوض بها.
ورغم العقبات والتحديات التي واجهها الشيخ الشهاوي في حياته، فقد ظل صامداً في مواجهتها، ملتزماً بمبادئه وقيمه، مخلصاً في عمله وجهده، محافظاً على نهجه في الجمع بين الروحانية والعمل الاجتماعي. وقد ترك لنا نموذجاً يُحتذى به في العطاء والتضحية والإخلاص، وستظل ذكراه حية في قلوب محبيه ومريديه وكل من عرفه أو استفاد من علمه وفضله.










