انتعاش حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن بعد اتفاق أمريكي-حوثي برعاية عُمانية
شهدت حركة الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن انتعاشاً نسبياً خلال الساعات الماضية، إثر اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الحوثيين في اليمن الذي أعلنت عنه سلطنة عُمان في 6 مايو 2025. يأتي هذا الانتعاش بعد نحو 19 شهراً من الجمود والاضطراب في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية، مما يبشر ببداية عودة النشاط التجاري والاقتصادي، رغم التحديات المستمرة في المنطقة والخسائر التي شهدها قطاع الشحن البحري منذ بداية الأزمة.
تفاصيل الاتفاق الأمريكي-الحوثي برعاية عُمانية
أعلنت وزارة الخارجية العُمانية في 6 مايو 2025 التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين في اليمن، بعد جهود وساطة مكثفة قامت بها السلطنة. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية العُمانية، في بيان رسمي، إن الاتصالات والمناقشات التي أجرتها سلطنة عُمان مع الجانبين بهدف تحقيق خفض التصعيد، أسفرت عن اتفاق على وقف إطلاق النار بينهما.
وأضاف البيان أنه “في المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي”. وأعربت سلطنة عُمان عن شكرها لكلا الطرفين على نهجهما البنّاء الذي أدى إلى هذه النتيجة المرحّب بها.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن يوم الثلاثاء أن الولايات المتحدة ستوقف الغارات على الحوثيين، بعد أن أبلغ الحوثيون واشنطن بأنهم “لا يريدون القتال بعد الآن”. وقال ترامب من المكتب البيضاوي: “سنحترم ذلك، وسنوقف الغارات”، مشيراً إلى الحملة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين منذ منتصف مارس/آذار رداً على هجمات الجماعة على ممرات الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل.
دور الوساطة العُمانية وخلفيات الاتفاق
لعبت سلطنة عُمان دوراً محورياً في التوسط بين الولايات المتحدة والحوثيين، مستفيدة من علاقاتها التاريخية مع مختلف الأطراف في المنطقة. وقد أكد وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي في بيان رسمي نشره على منصة X أن الجهود أسفرت عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين.
وذكرت شبكة CNN الأمريكية أن الجيش الأمريكي تلقى تعليمات مساء الاثنين بوقف الغارات على الحوثيين. وأفادت تقارير أن القرار جاء نتيجة محادثات سرية جرت في سلطنة عمان، بوساطة عمانية وقيادة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف.
وفي المقابل، زعمت جماعة الحوثي أن الأمريكيين هم من طلبوا من سلطنة عُمان التوسط لإنهاء الهجمات المتبادلة، نافية وجود علاقة بين الاتفاق مع الولايات المتحدة وموقف الجماعة من الصراع في المنطقة.
تأثير الاتفاق على حركة الملاحة البحرية
بوادر انتعاش في حركة السفن والناقلات
كشفت مواقع متخصصة بالملاحة البحرية أن حركة السفن والناقلات في البحر الأحمر وبحر العرب شهدت خلال الساعات الماضية انتعاشاً نسبياً. وأظهرت بيانات من تطبيقات تتبع حركة السفن مثل “VesselFinder” و”MarineTraffic” بوادر انتعاش ثابتة، وإن كانت تدريجية، في حركة الملاحة البحرية المباشرة عبر البحر الأحمر وبحر العرب.
وقال الخبير في شؤون الأمن والدفاع، محمد الباشا، أنه “شُوهد تفريغ ثلاث ناقلات نفطية حمولتها من الوقود في ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة شمال غربي اليمن، والخاضع لسيطرة الحوثيين، معتبراً ذلك تطوراً لافتاً، يشير إلى استئناف النشاط اللوجستي في المنطقة”.
مقارنة إحصائية لحركة الملاحة
على الرغم من بوادر الانتعاش الأخيرة، تكشف مقارنة بيانات الربع الأول من عام 2025 مع نظيره في العام 2024، كما ورد في تقارير هيئة قناة السويس، عن تراجع ملحوظ في النشاط الملاحي خلال الفترة السابقة للاتفاق. فقد انخفض عدد السفن العابرة بنسبة تقارب 20%، بينما تراجعت الحمولة الصافية بنسبة تصل إلى 23%، مما يعكس انخفاضاً كبيراً في حجم التجارة المارة عبر القناة خلال هذه الفترة.
وكانت أكبر نسب الانخفاض من نصيب سفن البضائع السائبة وناقلات النفط وسفن الحاويات، في حين سجلت سفن الغاز المسال ارتفاعاً لافتاً في الحمولة رغم استقرار عددها.
الأزمة السابقة وتأثيراتها على الملاحة العالمية
تاريخ الهجمات الحوثية وتداعياتها
بدأت جماعة الحوثي في اليمن بشن هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، مدعية أنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل في إطار ما تسميه “نصرة غزة” والانخراط في “محور المقاومة” بقيادة إيران. وأدت هذه الهجمات إلى تعطيل كبير في خطوط الشحن العالمية وزيادة تكلفة نقل البضائع.
في مارس 2025، حذر مركز المعلومات البحرية المشترك (JMIC) من أن صواريخ وطائرات الحوثيين بدون طيار يمكنها الآن الوصول إلى أهداف في شمال البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط، مما زاد من مخاطر الملاحة في المنطقة بأكملها. كما أعلن الحوثيون في 12 مارس 2025 “استئناف” حصارهم على السفن الإسرائيلية بعد تصاعد التوتر في الشرق الأوسط.
التكلفة الاقتصادية للأزمة
أدت الأزمة في البحر الأحمر إلى تفاقم الضغوط على الخدمات اللوجستية العالمية وزيادة خطر حدوث المزيد من التضخم في أسعار السلع الأساسية. وحذر خبراء اقتصاديون من أن التجارة العالمية قد تواجه تعقيدات كبيرة إذا لم تتم معالجة هذه المشاكل بسرعة.
وكشفت إحصائيات هيئة قناة السويس عن تحسن طفيف في مؤشرات الملاحة خلال شهر مارس 2025 مقارنة بإحصائيات الملاحة خلال شهر يناير من نفس العام، حيث زادت أعداد السفن العابرة بنسبة 2.4%، وزادت الحمولات الصافية للسفن بواقع 7.1%، كما سجلت الإحصائيات زيادة الإيرادات بنسبة 8.8% مقارنة بإيرادات شهر يناير 2025.
تداعيات الاتفاق على الوضع الإقليمي
موقف إسرائيل من الاتفاق
من غير الواضح ما يعنيه وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين بالنسبة لإسرائيل، التي انخرطت في أيام من القتال المتصاعد مع الجماعة المدعومة من إيران. وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية عن حالة من المفاجأة والاستياء داخل الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، دون إبلاغ مسبق لتل أبيب.
ونقلت القناة 12 العبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “الولايات المتحدة لم تخطر إسرائيل بمضمون تصريح ترامب حول وقف العمليات ضد الحوثيين”، معتبرين أن القرار الأمريكي جاء بشكل مفاجئ، لا سيما بعد أن أكملت إسرائيل ردها العسكري على الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار بن جوريون.
التحديات المستقبلية أمام حرية الملاحة
على الرغم من الاتفاق الأمريكي-الحوثي، لا تزال هناك تحديات أمام استعادة حركة الملاحة البحرية لمستوياتها الطبيعية في المنطقة. فقد أكد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام أن “عمليات اليمن المساندة لغزة لا يمكن أن تتوقف”، مضيفاً: “الأمريكي حشر نفسه في الإسناد للعدو الإسرائيلي ونحن قمنا بالرد عليه”.
ويُخشى من استمرار استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، حيث أصدر الحوثيون بياناً بعد آخر هجوم صاروخي على إسرائيل يؤكدون فيه أن “الحظر على الملاحة الإسرائيلية” سيستمر حتى توقف العدوان على غزة.
التوقعات المستقبلية لحركة الملاحة البحرية
مؤشرات التعافي التدريجي
تُظهر البيانات الحالية من مواقع تتبع حركة السفن مثل MarineTraffic عودة تدريجية للنشاط الملاحي في البحر الأحمر وخليج عدن. ومع استقرار الوضع الأمني نتيجة الاتفاق، يُتوقع أن تستأنف المزيد من شركات الشحن عملياتها في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.
ويشير خبراء القطاع البحري إلى أن التعافي الكامل لحركة الملاحة قد يستغرق عدة أشهر، نظراً للحاجة إلى إعادة تنظيم المسارات اللوجستية وخطوط الشحن التي تم تعديلها خلال فترة الأزمة، فضلاً عن استعادة ثقة شركات الشحن في أمان الممر البحري.
رؤية اقتصادية مستقبلية
من المتوقع أن يؤدي تحسن الوضع الأمني في البحر الأحمر وخليج عدن إلى انخفاض تدريجي في تكاليف الشحن العالمية التي ارتفعت بشكل كبير خلال فترة الأزمة. كما يُتوقع أن تشهد قناة السويس زيادة في الإيرادات مع عودة السفن لاستخدام المسار التقليدي عبر البحر الأحمر بدلاً من الالتفاف حول قارة أفريقيا.
يبقى الاستقرار الإقليمي والسياسي في المنطقة عاملاً حاسماً في استدامة هذا التحسن في حركة الملاحة البحرية، خاصة مع استمرار التوترات بين مختلف القوى الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط.










