في ظل تحديات متزايدة يواجهها المستثمرون المحليون في مصر، فاجأت شركة “النساجون الشرقيون” للأسجاد الأوساط الاقتصادية بإعلانها عن تحقيق أرباح قوية في الربع الأول من عام 2025، حيث ارتفعت أرباحها بنسبة 20% على أساس سنوي لتصل إلى 513.2 مليون جنيه مصري بعد خصم حقوق الأقلية. ويُعزى هذا النمو الملحوظ إلى ارتفاع صافي المبيعات بنسبة 27% خلال الفترة من يناير إلى مارس، حيث بلغت 6.39 مليار جنيه مقارنة مع 5 مليارات جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن في مقابل هذه الأرقام الإيجابية، تسلط الأضواء مجددًا على التحولات الكبرى في بيئة الاستثمار داخل مصر، والتي دفعت كبار المستثمرين – ومنهم عائلة سعد خضر المالكة لحصة مؤثرة في “النساجون الشرقيون” – إلى تسجيل شركتهم تحت مظلة أجنبية خارج البلاد.
نمو في الأرباح… وهروب من القيود
في الوقت الذي يعكس فيه الأداء المالي للشركة مرونة تشغيلية وقوة في الأسواق المحلية والعالمية، فإنه يطرح تساؤلات بشأن توجه المستثمرين المصريين نحو تأسيس كياناتهم في الخارج. ففي خطوة مفاجئة، قامت عائلة “النساجون الشرقيون” بتسجيل حصتها ضمن كيان أجنبي، في دلالة واضحة على تصاعد المخاوف من القيود البيروقراطية والضغوط التنظيمية التي تفرضها الحكومة المصرية على مجتمع الأعمال.
وتشير مصادر استثمارية إلى أن هذه الخطوة لم تكن بمعزل عن الواقع الاقتصادي الراهن، بل جاءت كرد فعل مباشر على التعقيدات في إجراءات تحويل الأرباح، والقيود المفروضة على التعاملات بالعملات الأجنبية، وضعف الحوافز الحكومية للمستثمرين المحليين.
خلفيات: لماذا يغادر المستثمرون؟
خلال السنوات الأخيرة، شهدت بيئة الاستثمار في مصر تغيرات متلاحقة أثارت قلق المستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب. ومن أبرز هذه التحديات:
- صعوبة تحويل الأرباح إلى الخارج بسبب شح الدولار وزيادة الاعتماد على السوق السوداء.
- تقييد الاستيراد وتعقيد الإجراءات الجمركية مما يؤثر على سلاسل التوريد.
- تزايد تدخل الحكومة في القطاعات الاقتصادية الحيوية، الأمر الذي يقلص من فرص القطاع الخاص ويزيد من مخاطر الاستثمار.
- عدم استقرار السياسات الضريبية والتشريعية، وهو ما يجعل من التخطيط طويل الأجل أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
وقد دفعت هذه الظروف العديد من المستثمرين، بمن فيهم عائلات استثمارية بارزة مثل عائلة خضر، إلى البحث عن ملاذات قانونية آمنة لتوسيع نشاطاتهم، وهو ما يفسر تسجيل “النساجون الشرقيون” كشركة أجنبية رغم جذورها الصناعية المصرية العريقة.
هل يتحول النجاح إلى خارج الحدود؟
تثير هذه التحركات تساؤلات جدية حول مستقبل بيئة الاستثمار في مصر، خاصة إذا أصبحت الأرباح القوية للشركات مجرد “واجهة محلية” لشركات تتجه فعليًا إلى إدارة أموالها وأرباحها من الخارج. فمع بقاء البيئة التنظيمية مقيدة، قد نشهد في الفترة المقبلة مزيدًا من الشركات التي تتبع نفس النهج، ما لم تتدخل الحكومة لتوفير بيئة أكثر تنافسية واستقرارًا.
خلاصة:
رغم القفزة الكبيرة في أرباح “النساجون الشرقيون”، إلا أن تسجيلها كشركة أجنبية يفتح الباب واسعًا لمناقشة البيئة الاقتصادية في مصر. فالمستثمرون اليوم لا ينظرون فقط إلى الأرباح، بل إلى حرية الإدارة، وسهولة الإجراءات، وضمان استقرار السياسات. وإذا لم تتحرك الحكومة لاحتواء هذه الظاهرة، فقد نشهد موجة هروب واسعة لرؤوس الأموال المصرية نحو الخارج، مما يهدد مستقبل الاستثمار الصناعي المحلي.
هل ستكون الحكومة مستعدة لمراجعة سياساتها؟ أم أن المزيد من الشركات الناجحة ستجد في “الاستثمار الخارجي” حلًا أكثر أمانًا؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير.











