أعلن رئيس الوزراء المصري، خلال مؤتمر صحفي مع نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، عن استهداف الحكومة خفض الدين العام إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الحالي، مؤكداً استمرار التعاون مع الصندوق في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بوتيرة ثابتة. وشملت تصريحات الحكومة وعوداً بمرونة سعر الصرف، وزيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والانضباط المالي، وخفض معدلات الدين، مع الإشادة بقدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الصدمات الخارجية.
لكن خلف هذا الخطاب الرسمي، تتصاعد الانتقادات لسياسات الحكومة الاقتصادية، التي يصفها خبراء ومعارضون بـ”الفاشلة”، محذرين من أن استمرار النهج الحالي يفاقم أزمات الديون والتضخم والفقر، ويدفع الاقتصاد الوطني نحو المزيد من المخاطر البنيوية.
سياسات حكومية في مرمى الانتقاد.. الاقتراض المفرط وتحرير الأسعار
تتبع الحكومة المصرية منذ سنوات سياسات توسعية في الاقتراض الخارجي، مستندةً إلى اتفاقيات متكررة مع صندوق النقد الدولي، مقابل تنفيذ برامج تقشفية شملت خفض الدعم عن السلع الأساسية وتحرير أسعار الوقود والطاقة. وقد انعكست هذه السياسات بشكل مباشر على معيشة المواطنين، حيث شهدت أسعار الوقود والسلع الأساسية زيادات متتالية، أدت إلى ارتفاع تكاليف النقل والغذاء، وتآكل القدرة الشرائية للأسر، خاصة الفقيرة والمتوسطة.
الحركة المدنية المصرية، التي تضم 12 حزباً، اعتبرت في بيان لها أن زيادة أسعار البنزين والسولار ليست سوى نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية فاشلة، تتمثل في التوسع في الاقتراض الخارجي، ورفع الدعم، وغياب العدالة الاجتماعية. وأكدت أن هذه الإجراءات تدفع نحو تدمير الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتزيد من الضغوط الاقتصادية والمعيشية على المواطنين.
تراكم الديون.. أرقام مقلقة وخطط حكومية بلا أثر ملموس
رغم تعهدات الحكومة بخفض الدين العام، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فقد قفز الدين العام المصري بنسبة 33.1% خلال عام واحد، متجاوزاً 90% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ الدين الخارجي أكثر من 165 مليار دولار. وتعتمد الحكومة بشكل متزايد على القروض الجديدة لسداد أقساط الديون السابقة وتمويل عجز الموازنة، ما يفاقم أعباء السداد ويحد من القدرة على الاستثمار في مشروعات تنموية حقيقية.
سياسات الاقتراض غير المستدامة، بحسب خبراء الاقتصاد، لم تترجم إلى نمو اقتصادي حقيقي أو تحسن في مؤشرات العدالة الاجتماعية، بل أدت إلى تضخم متسارع، وتراجع قيمة الجنيه المصري بنحو 50% منذ 2022، مع نقص حاد في العملة الصعبة وتراكم البضائع في الموانئ، وتدهور الصناعة المحلية.
الإصلاح الاقتصادي.. نجاحات محدودة مقابل كلفة اجتماعية باهظة
تفاخر الحكومة بتحقيق بعض أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي، مثل زيادة الاحتياطات الأجنبية وخفض عجز الموازنة، لكن هذه النجاحات جاءت على حساب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر. فقد ارتفع التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 25.8% في يناير الماضي، ووصل معدل الفقر إلى نحو 30% قبل جائحة كوفيد-19، مع تقديرات غير رسمية تشير إلى أن 60% من المصريين تحت خط الفقر أو قريبون منه.
وتشير مراجعات صندوق النقد الدولي إلى أن الإصلاحات الاقتصادية، رغم تحقيقها بعض الاستقرار المالي، تسببت في آثار اجتماعية قاسية، أبرزها تقليص الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء، ما أدى إلى موجات غلاء متتالية أرهقت الفئات الأكثر ضعفاً.
غياب الإصلاح الهيكلي واستمرار هيمنة الدولة
من أبرز إخفاقات السياسات الحكومية غياب الإصلاحات الهيكلية الحقيقية، واستمرار هيمنة الدولة والجيش على قطاعات واسعة من الاقتصاد، ما يعيق الاستثمار والمنافسة ويضعف دور القطاع الخاص. ويؤكد محللون أن الحكومة تكتفي بإجراءات مالية ونقدية قصيرة الأجل، دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، مثل ضعف الإنتاجية، وفشل التنمية الصناعية، وسياسات الاستيراد والتصدير التي خلفت عجزاً تجارياً مزمناً.
خلاصة.. بين خطاب رسمي متفائل وواقع اقتصادي مأزوم
رغم محاولات الحكومة تلميع صورة الاقتصاد المصري في المحافل الدولية، إلا أن الواقع يشي بأزمة عميقة تتجلى في تصاعد الديون، وتآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. السياسات الحكومية، التي تركز على الاقتراض وتحرير الأسعار دون إصلاحات هيكلية حقيقية، لم تحقق العدالة الاجتماعية ولا الاستدامة الاقتصادية، بل عمقت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وجعلت المواطن البسيط يدفع ثمن أخطاء متراكمة في إدارة الاقتصاد الوطني.











