أكد معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي أن استعادة حق إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري وضمان الاستفادة منه تُعدّ “مسؤولية تاريخية”، تستوجب تعاملًا وطنيًا يتسم بالوعي القومي والحس الاستراتيجي.
هذا التأكيد يعكس استمرار سياسة حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، الرامية إلى تأمين منفذ بحري سواء عبر أرض الصومال، أو من خلال مفاوضات مع مقديشو، أو حتى بالضغط على إريتريا باستخدام أدوات متعددة، من بينها دعم حركات المعارضة المسلحة.
سياق تاريخي وجيوسياسي
في أكتوبر 2023، صرّح آبي أحمد أن إثيوبيا يجب أن تحصل على ميناء خاص بها على البحر الأحمر، مستندًا إلى خرائط تعود إلى مملكة أكسوم في القرن الثالث الميلادي، لتبرير المطالب الإقليمية بالموانئ الإريترية.
غير أن الواقع الجغرافي والتاريخي أكثر تعقيدًا؛ فقد كان الساحل الإريتري تحت سيطرة الدولة العثمانية قرابة ثلاثة قرون، قبل أن تنتقل إدارته إلى مصر عام 1865، والتي بدورها كانت تدير ميناء مصوع حتى منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر.
ورغم أن معاهدة هيويت (1884) ضمنت لإثيوبيا “حرية الوصول” إلى ميناء مصوع، إلا أن الاحتلال الإيطالي للميناء عام 1885 غيّر المعادلة، ليستمر هذا الوضع حتى السيطرة البريطانية في 1941، ثم انضمام الإقليم إلى إثيوبيا لاحقًا.
حاول الإمبراطور هيلا سيلاسي في ما بعد، توسيع نطاق الدولة استنادًا إلى “روابط تاريخية مزعومة”.
الواقع الراهن والدوافع السياسية
يرى مراقبون أن طموحات آبي أحمد البحرية مرتبطة جزئيًا بمحاولة صرف الأنظار عن أزمات داخلية معقدة، تشمل نزاعات مسلحة، وتراجع اقتصادي، وتراجع الدعم الشعبي. وفي هذا السياق، تسعى الحكومة إلى تقديم مشروع وطني خارجي قد يعيد تعبئة الرأي العام ويُحسن من صورة القيادة.
ومن الواضح أن إثيوبيا، التي تعتمد على ميناء جيبوتي في أكثر من 95% من تجارتها الخارجية، تواجه تحديًا استراتيجيًا في استمرار هذا الاعتماد الذي يُكلف البلاد أكثر من مليار دولار سنويًا.
لذا تسعى أديس أبابا إلى تنويع موانئ الوصول عبر اتفاقات مع أطراف أخرى، كان أبرزها مذكرة التفاهم مع “أرض الصومال” في يناير 2024، والتي تمنح إثيوبيا حق استخدام ميناء بربرة، مقابل تقييم إمكانية الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة. هذه الخطوة أثارت استياء الحكومة الفيدرالية في مقديشو وعمّقت التوترات في القرن الأفريقي.
مخاطر التصعيد
تصريحات آبي أحمد، خاصة قوله إن “عدم تحقيق العدالة في الحصول على ميناء سيؤدي إلى القتال”، تشكل تحذيرًا خطيرًا من احتمال اللجوء إلى القوة، في حال فشل المساعي الدبلوماسية.
هذا الموقف يُهدد بتقويض اتفاق السلام الإثيوبي-الإريتري الموقع عام 2018، والذي بموجبه نال آبي جائزة نوبل للسلام، كما يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الصراعات الإقليمية المحتملة.
كما أن إثيوبيا عبّرت مرارًا عن استيائها من تعدد القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة، خاصة في جيبوتي والصومال، متسائلة عن سبب حرمانها من إقامة قاعدة بحرية رغم أن قوات دولية بعيدة تمتلك وجودًا عسكريًا هناك.
اللاعبون الإقليميون والدوليون
تلعب الإمارات العربية المتحدة دورًا بارزًا في موانئ القرن الأفريقي، خاصة عبر شركتي موانئ دبي العالمية وبي آند أو، كما أن مصالح دول كبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وتركيا تتقاطع على الساحل الأفريقي.
هذه القوى تعتبر السيطرة على الموانئ بمثابة مفتاح استراتيجي لضمان النفوذ في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.










