سجّل معدل التضخم السنوي في المملكة المتحدة قفزة مفاجئة خلال شهر أبريل 2025، ليصل إلى 3.5%، متجاوزًا توقعات المحللين التي رجّحت أن يبلغ 3.3%، كما تجاوز مستويات مارس التي بلغت 2.6%، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ يناير 2024. ويأتي هذا التسارع بعد أشهر من التباطؤ النسبي في معدلات التضخم، ما أثار قلق الأسواق والمراقبين بشأن مسار الاقتصاد البريطاني في ظل استمرار الضغوط المعيشية وتراجع ثقة المستهلكين.
والتضخم هو ظاهرة اقتصادية تشير إلى الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في اقتصاد دولة ما خلال فترة زمنية معينة، مما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة، أي أن كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بوحدة نقدية واحدة تصبح أقل مع مرور الوقت
أسباب ارتفاع التضخم في أبريل
تشير بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني إلى أن الارتفاع الأخير في التضخم جاء مدفوعًا بعدة عوامل، من أبرزها:
- زيادة كبيرة في ضرائب الطرق.
- ارتفاع أسعار تذاكر الطيران والرحلات السياحية، خاصة مع تزامن عطلة عيد الفصح.
- ارتفاع أسعار قطاعات الإسكان والخدمات المنزلية والنقل والترفيه.
- زيادات ضريبية على الشركات المحلية ورفع سقف أسعار الطاقة.
في المقابل، ساهم تراجع أسعار الملابس والأحذية في الحد من وتيرة الارتفاع، إلا أن التأثير الكلي بقي سلبيًا على مستويات الأسعار.
التضخم الأساسي وتداعياته
لم يقتصر التسارع على التضخم العام، بل ارتفع التضخم الأساسي – الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة والمشروبات الكحولية والتبغ – إلى 3.8% على أساس سنوي، مقارنة بـ3.4% في مارس. ويُعد هذا المؤشر أكثر تعبيرًا عن الضغوط الهيكلية في الاقتصاد، ما يثير مخاوف من استمرار ارتفاع الأسعار لفترة أطول.
خلفيات تدهور الاقتصاد البريطاني
يأتي هذا التطور في سياق أزمة اقتصادية أعمق تعاني منها المملكة المتحدة منذ سنوات، حيث تضافرت عدة عوامل لتقويض النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط التضخمية:
تداعيات البريكست
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدّى إلى تعطيل تدفقات التجارة والاستثمار، وفرض حواجز جديدة أمام الصادرات والواردات، ما أضعف الأداء الاقتصادي وزاد من حالة عدم اليقين.
جائحة كورونا
واجهت بريطانيا، كبقية الاقتصادات العالمية، صدمات قوية في سوق العمل وسلاسل الإمداد، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الإنتاجية.
الحرب في أوكرانيا
تسببت الحرب في ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، ما انعكس مباشرة على تكاليف المعيشة وأدى إلى تسارع التضخم بشكل غير مسبوق.
ضعف النمو الاقتصادي
شهدت المملكة المتحدة تباطؤًا حادًا في النمو خلال السنوات الأخيرة، حيث توقفت معدلات النمو في بعض الفصول، وواجه الاقتصاد خطر الدخول في ركود تقني مع تسجيل فترتين متتاليتين من النمو السلبي.
أزمة تكلفة المعيشة
ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والخدمات الأساسية أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأسر البريطانية، ما دفع ملايين البريطانيين إلى تقليص إنفاقهم وتراجع ثقتهم في مستقبل الاقتصاد.
مؤشرات على تراجع الثقة وتفاقم الأزمة
أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن ثقة البريطانيين في اقتصاد بلادهم تراجعت إلى أدنى مستوى منذ عام 1978، حيث يتوقع 75% من المواطنين أن يتدهور الاقتصاد خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة. كما تراجعت ثقة الشركات والمستهلكين على حد سواء، وسط مخاوف من استمرار الأزمات وتزايد الضغوط على الحكومة والبنك المركزي.
التوقعات المستقبلية وردود الفعل
رغم هذا الارتفاع المفاجئ في التضخم، يرى بعض المحللين أن جزءًا من هذه القفزة يعود إلى عوامل مؤقتة، مثل الضرائب الموسمية وعطلات الأعياد. ومع ذلك، فإن استمرار الضغوط التضخمية في قطاعات الخدمات والإسكان يشير إلى تحديات هيكلية أعمق.
ويتوقع بنك إنجلترا أن يبقي أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعه المقبل في يونيو، مع احتمال خفضها في أغسطس إذا استمر تحسن الاتجاه العام لمعدل التضخم في قطاع الخدمات. غير أن استمرار ضعف سوق العمل وتباطؤ نمو الأجور قد يدفع البنك إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة لدعم الاقتصاد.
خلاصة
يمثل تسارع التضخم في بريطانيا إلى 3.5% خلال أبريل 2025 جرس إنذار جديد بشأن هشاشة الاقتصاد البريطاني واستمرار معاناة المواطنين من أزمة تكلفة المعيشة. ويعكس هذا التطور عمق التحديات التي تواجه المملكة المتحدة، من تبعات البريكست والحروب العالمية إلى السياسات المالية والضغوط الهيكلية على سوق العمل. وبينما تسعى الحكومة والبنك المركزي لاحتواء الأزمة، يبقى مستقبل الاقتصاد البريطاني مرهونًا بقدرة صناع القرار على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة واستعادة الثقة في الأسواق.







