الجيش الباكستاني يتهم الهند بالوقوف وراء تفجير حافلة مدرسية في بلوشستان وسط مخاوف من تصعيد عسكري
اتهم الجيش الباكستاني اليوم الأربعاء الهند بالمسؤولية عن تفجير انتحاري استهدف حافلة مدرسية في إقليم بلوشستان المضطرب، مما أدى إلى مقتل أربعة أطفال وإصابة العديد آخرين. ويأتي هذا التصعيد الخطير وسط توترات متزايدة بين القوتين النوويتين اللتين دخلتا في مواجهات عسكرية محدودة الأسبوع الماضي، مما يثير مخاوف من احتمال اندلاع حرب شاملة بينهما.
تفاصيل الهجوم الدامي في خوزدار
وقع الهجوم الانتحاري صباح اليوم الأربعاء (21 مايو 2025) مستهدفاً حافلة مدرسية تابعة للجيش الباكستاني في منطقة خوزدار بإقليم بلوشستان. وصرّح ياسر إقبال، مسؤول منطقة خوزدار، بأن “الحافلة كانت في طريقها إلى مدرسة في معسكر للجيش”، وأضاف أن نحو 40 طالباً كانوا على متن الحافلة عندما وقع الانفجار.
ووفقاً للمعلومات الأولية، أسفر الهجوم عن مقتل أربعة أطفال على الأقل وإصابة العديد من الركاب الآخرين. وتم نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة حيث تجري معالجتهم، فيما طوقت قوات الأمن المنطقة وبدأت التحقيقات في الحادث.
وقد سارع الجيش الباكستاني، من خلال جهاز العلاقات العامة المشتركة (ISPR)، إلى إصدار بيان اتهم فيه بشكل مباشر الهند بالوقوف خلف الهجوم، مشيراً إلى أن نيودلهي تستخدم جماعات وكيلة لتنفيذ هجمات في الأراضي الباكستانية.
خلفية العنف في إقليم بلوشستان
تُعد بلوشستان أكبر مقاطعة في باكستان من حيث المساحة وأصغرها من حيث عدد السكان، ويبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة. وتقع في جنوب غرب البلاد وتضم مشاريع تعدين رئيسية، لكنها تعاني من تمرد مستمر منذ عقود.
يشهد الإقليم منذ سنوات طويلة صراعات مسلحة متعددة، حيث تقود جماعات انفصالية بلوشية حركة تمرد ضد الحكومة المركزية منذ عقود طويلة، مطالبة باستقلال الإقليم أو بحكم ذاتي موسع والسيطرة على الموارد الطبيعية الغنية في المنطقة.
ومنذ عام 2003، تشهد بلوشستان تمرداً منخفض المستوى من قبل المسلحين البلوش، إلى جانب أنشطة للجماعات الإسلامية المتشددة، وقد واجهت المنطقة سلسلة من الهجمات المسلحة والتفجيرات الانتحارية على مر السنين.
توترات متصاعدة بين القوتين النوويتين
يأتي هذا الهجوم في أعقاب تصعيد عسكري غير مسبوق بين الهند وباكستان خلال الأيام الماضية. ففي 10 مايو 2025، أعلن الجيش الباكستاني عن بدء عملية عسكرية أطلق عليها “البنيان المرصوص” ضد الهند “رداً على عدوانها”.
وكانت باكستان قد اتهمت الهند بشن هجمات على عدة قواعد جوية عسكرية باكستانية، بما في ذلك قاعدة نور خان الجوية القريبة من العاصمة إسلام آباد. ورداً على ذلك، أعلن الجيش الباكستاني أنه شن عدة ضربات ضد قواعد جوية هندية كانت تُستخدم لإطلاق الصواريخ على باكستان.
وفي المقابل، أعلن الجيش الهندي في اليوم نفسه استهداف العديد من المسيرات المسلحة التابعة لباكستان فوق مدينة أمريتسار الحدودية، وقال إن وحدات الدفاع الجوي اشتبكت معها ودمرتها. كما ادعى الجيش الهندي أن “باكستان تعزز انتشار قواتها على الحدود، وإنها استخدمت صاروخاً عالي السرعة لاستهداف قاعدة جوية في البنجاب”.
دور الهند المزعوم في اضطرابات بلوشستان
تتهم باكستان منذ سنوات طويلة الهند بدعم المتمردين البلوش ورعاية الاضطرابات في الإقليم. فوفقاً لبعض التقارير، أشارت مصادر باكستانية إلى أن قادة من حركة تحرير بلوشستان قد تلقوا علاجاً طبياً في مستشفيات هندية في السابق، وأن الهند تقدم الدعم الاستخباراتي والمالي للجماعات المتمردة.
وفي عام 2016، أعلنت باكستان أنها ألقت القبض على ضابط بحري هندي، كولبوشان ياداف، الذي اعترف في مقابلة فيديو بأنه كان مكلفاً من قبل وكالة الاستخبارات الهندية بزعزعة استقرار باكستان. غير أن الحكومة الهندية نفت هذه الاتهامات وأكدت أن ياداف كان يدير “عملاً مشروعاً في إيران”.
ومن جانبها، تنفي الهند بشكل قاطع هذه الاتهامات، مشيرة إلى فشل باكستان في تقديم أدلة، بينما يؤكد قادة المتمردين البلوش أن حركتهم محلية المنشأ وليست مدعومة من الخارج.
هل يقود التفجير الأخير إلى حرب شاملة؟
مع اتهام الجيش الباكستاني للهند بالوقوف خلف التفجير الانتحاري الذي استهدف أطفالاً، تتزايد المخاوف من تصعيد التوتر الحالي إلى حرب شاملة بين البلدين النوويين.
ويأتي هذا التطور الخطير في ظل حالة من التوتر العسكري الشديد بين الهند وباكستان، خاصة بعد الضربات المتبادلة بين البلدين في الأيام العشرة الماضية. وقد أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام جميع الرحلات الجوية بعد بدء المواجهات العسكرية مع الهند.
ويثير التصعيد الأخير مخاوف دولية، خاصة مع امتلاك كلا البلدين للسلاح النووي. ووفقاً لتقديرات خبراء، فإن باكستان تمتلك حالياً نحو 170 رأساً نووياً، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 200 بحلول نهاية عام 2025.
جهود دولية للتهدئة
أمام هذا التصعيد الخطير، سارعت عدة دول إلى التدخل في محاولة لتهدئة التوتر بين البلدين. فقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو اتصالات هاتفية مع قائد الجيش الباكستاني عاصم منير ووزيري خارجية البلدين، حاثاً الطرفين على التهدئة.
وفي إطار المساعي السعودية للتهدئة ووقف التصعيد، زار وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير كلاً من الهند وباكستان.
وصرح وزير الدفاع الباكستاني في مقابلة تلفزيونية قائلاً: “الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تلعب دوراً فعالاً بين الهند وباكستان هي أميركا”، بينما أكد وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار أنه أخبر نظيره الأمريكي بأن “الكرة في ملعب الهند، عندما يتعلق الأمر بتهدئة الوضع الأمني”.
ارتفاع منسوب العنف في بلوشستان
يأتي التفجير الأخير في خوزدار ضمن سلسلة من الحوادث الإرهابية التي شهدها إقليم بلوشستان خلال الأشهر الماضية. ففي 8 أبريل 2024، وقع انفجار قوي في منطقة عمر فاروق تشوك في مدينة خوزدار، وهي منطقة مزدحمة للتسوق، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين.
وفي 5 مارس 2025، قُتل أربعة أشخاص على الأقل وأصيب خمسة آخرون في انفجار قنبلة في منطقة سوق نالي بخوزدار. وقالت تقارير الشرطة إن القنبلة كانت مزروعة على دراجة نارية، مما تسبب في اشتعال النيران في المركبات القريبة.
وقد أدان رئيس وزراء بلوشستان، مير سرفراز بوجتي، الهجوم بشدة، متعهداً باستئصال الإرهاب بجميع أشكاله وتقديم مرتكبي هذه الهجمات إلى العدالة.
خلاصة وتحليل
يمثل التفجير الانتحاري الذي استهدف حافلة مدرسية في خوزدار واتهام باكستان للهند بالوقوف خلفه تصعيداً خطيراً في التوتر بين البلدين، الذي كان قد بدأ بالفعل بتبادل الضربات العسكرية منذ أيام قليلة.
ومع امتلاك كلا البلدين لأسلحة نووية، تتزايد المخاوف الدولية من احتمال تحول هذا الصراع إلى مواجهة شاملة قد تهدد الاستقرار في المنطقة بأكملها. وتعكس الاتصالات المكثفة التي تجريها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مع قيادات البلدين حجم القلق الدولي من تداعيات هذا التصعيد.
ويبقى إقليم بلوشستان بؤرة توتر مستمرة في المنطقة، نظراً للتمرد الانفصالي المستمر فيه، والاتهامات المتبادلة بين الهند وباكستان حول دعم المسلحين. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة كيف يمكن لهذا الصراع المحلي أن يتحول إلى شرارة لاشتعال حرب إقليمية أوسع.
مع ذلك، يظل هناك أمل في أن تنجح الجهود الدولية للوساطة في تهدئة التوتر ومنع تصعيده إلى حرب شاملة، خاصة مع وجود قنوات اتصال دبلوماسية لا تزال مفتوحة بين البلدين.










