تقرير خاص: استعادة أرشيف إيلي كوهين تثير الجدل حول دور أحمد الشرع — تسوية سياسية أم صفقة سرية؟
أثارت عملية استعادة إسرائيل لأرشيف الجاسوس الشهير إيلي كوهين من سوريا موجة تساؤلات سياسية وأمنية، في ظل تزايد الحديث عن الدور المثير للجدل الذي لعبه الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في هذه الخطوة. الوثائق التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي لم تفتح فقط أبواب الماضي، بل كشفت كذلك عن خيوط محتملة لتحالفات جديدة ترسم ملامح مرحلة انتقالية حساسة في الشرق الأوسط.
إيلي كوهين وأسطورة التجسس الإسرائيلية
ولد إيلي كوهين في الإسكندرية عام 1924، وسرعان ما أصبح أحد أبرز عملاء الموساد، متخفيًا بهوية “كامل أمين ثابت”. تسلل إلى قمة هرم السلطة في سوريا خلال مطلع الستينيات، وبنى شبكة علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين، ما مكنه من تمرير معلومات استخباراتية دقيقة كان لها دور حاسم في هزيمة القوات السورية خلال حرب الأيام الستة عام 1967.
في عام 1965، تم اكتشاف أمره وإعدامه شنقًا في ساحة المرجة بدمشق، غير أن أرشيفه ظل طيّ الكتمان داخل أجهزة الأمن السورية حتى استعادته مؤخرًا.
تفاصيل الأرشيف المستعاد: وثائق حساسة تخرج إلى العلن
العملية التي نفذها جهاز الموساد، وفقًا لتقارير إسرائيلية، أسفرت عن استعادة نحو 2500 مادة أرشيفية، من بينها جوازات سفر مزورة، رسائل مكتوبة بخط اليد، تسجيلات صوتية، ومذكرات شخصية. الوثائق تضمنت الوصية الأصلية لكوهين، إضافةً إلى تسجيل صوتي شهير كشف فيه طلبه زراعة أشجار قرب المواقع العسكرية لتوفير الظل للجنود — وهو الطلب الذي استُغل لاحقًا لرصد مواقع التحصينات السورية.
الرئيس أحمد الشرع في قلب الحدث: حسابات دقيقة ومخاطر كبيرة
تشير مصادر مطلعة داخل الحكومة الانتقالية السورية إلى أن الرئيس أحمد الشرع أشرف بشكل مباشر على عملية تسليم الأرشيف إلى الجانب الإسرائيلي، في خطوة يرى مراقبون أنها جزء من محاولة أوسع لتغيير صورة النظام السوري الجديد أمام المجتمع الدولي.
ويأتي هذا التطور بعد أشهر من إسقاط نظام بشار الأسد، حيث يضع الشرع مسألة الانفتاح الدبلوماسي وإعادة التموضع الإقليمي على رأس أولوياته.
أبعاد الصفقة: عقوبات، أمن، وشرعية سياسية
محللون سياسيون يرون في العملية جزءًا من صفقة غير معلنة تشمل تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على سوريا مقابل تقديم ملفات حساسة تخدم مصالح إسرائيل الأمنية. كما أن الكشف عن الأرشيف قد يشكل بادرة “حسن نية” تهدف إلى كسب دعم غربي، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة على النظام الجديد.
وفي الداخل، يحاول الشرع ترسيخ شرعيته من خلال إظهار القدرة على التعامل مع ملفات شائكة وتقديم خطوات جريئة في ملفات كانت تعتبر سابقًا “محظورة”.
الماضي يعود ليحكم الحاضر
عملية استعادة أرشيف إيلي كوهين لم تكن مجرد استعادة وثائق، بل إشارة واضحة إلى تحولات جيوسياسية متسارعة في المنطقة، تتقاطع فيها المصالح بين الرغبة في المصالحة الدولية والحفاظ على النفوذ الداخلي. يبقى السؤال المطروح: هل دفع الشرع ثمنًا كبيرًا مقابل خطوة محسوبة؟ أم أن ما خفي من الصفقة كان أعظم؟










