في فضيحة مدوّية جديدة لمسار التطبيع العربي مع كيان الاحتلال، أقدمت السلطات المغربية على استقبال وفد من لواء غولاني، الوحدة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن أبشع الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، بما فيها استهداف الطواقم الطبية والمدنيين خلال العدوان المتكرر على غزة والضفة.
قبل البدء بالتفاصيل، تجدر الإشارة إلى أن المغرب استضاف مؤخراً جنوداً من لواء غولاني الإسرائيلي للمشاركة في مناورات “الأسد الأفريقي 2025” العسكرية، وهي القوة نفسها المتهمة بارتكاب مجزرة راح ضحيتها 15 مسعفاً وعاملاً أممياً في رفح قبل شهرين فقط.
هذه الخطوة أثارت استنكاراً واسعاً على المستويين الشعبي والحقوقي، إذ اعتبرها مراقبون بمثابة غطاء سياسي وعسكري للانتهاكات الإسرائيلية في غزة، وتأتي في وقت تلاحق فيه المحاكم الدولية قادة الاحتلال بتهم جرائم حرب.
أفادت مصادر إعلامية متعددة بأن جنوداً من لواء “غولاني” التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي يشاركون في مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية في المغرب، إلى جانب أكثر من 20 دولة أخرى.
وقد تم تداول صور على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر جنوداً من سرية الاستطلاع في اللواء المذكور خلال هذه المناورات.
تجري هذه المناورات سنوياً بتنظيم مشترك بين المغرب والولايات المتحدة، وتتوزع فعالياتها على عدة مناطق مغربية، منها أكادير وطانطان وتزنيت والقنيطرة.
وخلال هذه الدورة، أعلن جيش الاحتلال عن إصابة جنديين من وحدة القفز بالمظلات إثر انقلاب مركبة عسكرية نوع “همر” خلال إحدى الفعاليات التدريبية، وتم نقلهما إلى مستشفى محلي للعلاج.
وحسب التقارير الإعلامية، فإن مشاركة القوات الإسرائيلية في هذه المناورات ليست الأولى، إذ شارك جيش الاحتلال في نسخة 2022 على مستوى مراقبين عسكريين فقط، قبل أن يتوسع الحضور في عام 2023 ليشمل ضباطاً وجنوداً من كتيبة الاستطلاع في لواء “غولاني”.
من هم مجرمو الحرب الذين استُقبلوا في المغرب؟ الوفد الإسرائيلي ضمّ شخصيات عسكرية بارزة من لواء غولاني، على رأسهم:
العميد باراك هيرشل: قائد سابق للوحدة، أشرف على عمليات الاجتياح في شمال غزة خلال عدوان 2023، واتُّهم بإصدار أوامر مباشرة بقصف منازل مأهولة.
العقيد شاي كلمنوفيتش: معروف بتوثيق مشاركته في حصار مستشفى الشفاء وقنص سيارات الإسعاف.
المقدم رونين نيمان: قاد إحدى الفرق المسؤولة عن “تطهير” حيّ الشجاعية، حيث قُتل أكثر من 200 مدني في يوم واحد.
هذه الأسماء مدرجة في ملفات عدة لدى منظمات كـ”هيومن رايتس ووتش” و”المرصد الأورومتوسطي”، ضمن قوائم المتورطين في جرائم ضد المدنيين.
لواء “غولاني” يعد من وحدات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وله تاريخ طويل في المشاركة بالعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين والدول العربية. الوحدة متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال العدوان على قطاع غزة، وتحديداً في مجزرة رفح التي راح ضحيتها 15 مسعفاً وموظفاً أممياً وعاملاً في فرق الإنقاذ قبل شهرين من هذه المناورات.
كشفت التحقيقات الإسرائيلية نفسها أن جنوداً من لواء غولاني متورطون في هذه العملية. والجدير بالذكر أن هذا اللواء قد شارك أيضاً في الهجوم العنيف على حي الشجاعية شرق مدينة غزة عام 2014، الذي أسفر عن مقتل 72 فلسطينياً وجرح نحو 400 آخرين.
المغاربة ينتفضون: “دم الفلسطينيين ليس ورقة تفاوض” عقب الإعلان عن زيارة وفد لواء غولاني، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي المغربية بعشرات الوسوم، أبرزها: #لا_مرحبا_بمجرمي_الحرب #التطبيع_خيانة #المغرب_مع_فلسطين
وشهدت مدن مثل الدار البيضاء، الرباط، وطنجة وقفات احتجاجية رفع خلالها النشطاء لافتات كتب عليها:
“من قتلوا الأطفال في غزة لا مكان لهم بيننا”، “المغرب ليس منصة لتبييض جرائم الاحتلال”.
ردود فلسطينية غاضبة: “طعنة في خاصرة المقاومة” في الأراضي المحتلة، عبّرت فصائل المقاومة الفلسطينية عن سخطها الشديد من الخطوة المغربية، واعتبرتها “تواطؤاً مكشوفاً مع القتلة”. حركة حماس أدانت في بيان رسمي استقبال ضباط غولاني، ووصفت الحدث بأنه:
“تحدٍ سافر لمشاعر الأمة العربية والإسلامية، وتغطية سياسية لجريمة مستمرة بحق الفلسطينيين”. أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فدعت المغاربة إلى الضغط الشعبي لإسقاط مسار التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني.
أصدرت حركة المجاهدين الفلسطينية بياناً شديد اللهجة استنكرت فيه استضافة جنود من لواء “غولاني” في المغرب، ووصفت اللواء بـ”النازي”، معتبرة الخطوة امتداداً لما أسمته “الانحدار الأخلاقي والإنساني في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وجاء في البيان: “هذه الاستضافة لجنود العدو المجرمين، في وقت يمارس فيه جيش الاحتلال أبشع الجرائم بحق شعبنا، هي تشجيع مباشر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة”، مشيدة في المقابل بالمواقف الشعبية المغربية الرافضة للتطبيع والداعمة للقضية الفلسطينية.
الموقف الحقوقي الدولي اعتبر المحامي الدولي عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “إفدي الدولية” لحقوق الإنسان، أن تأكيد مشاركة لواء غولاني في مناورات على الأراضي المغربية في ظل ارتكابه مجازر بحق المدنيين في غزة، سيضع المغرب في “خرق صريح” لروح ونص القانون الدولي الإنساني.
وشدد مراري على أن هذه المشاركة من شأنها أن تُضفي شرعية على ممارسات جيش الاحتلال، الذي تتهمه محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة إبادة جماعية، مشيراً إلى أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ملاحَقة من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرات توقيف صدرت في نوفمبر 2024.
الموقف الشعبي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي تعليقات غاضبة من نشطاء عرب ومغاربة تندد بمشاركة لواء غولاني في المناورات. ونقلت وسائل إعلام مختلفة عن الصحفي الفلسطيني يونس الطيراوي قوله: “لا يصدق. وحدة سييرت غولاني التي ارتكبت مجزرة راح ضحيتها 15 مسعفاً وعاملاً تابعاً للأمم المتحدة وعناصر إنقاذ قبل شهرين فقط في رفح، موجودة الآن في أكادير”.
وأضاف: “من بين كل وحدات جيش الاحتلال، اختار المغرب استضافة هذه الوحدة. لم يُفرض عليهم أي عقاب، بل يُستقبلون بحفاوة. أمر مشين وفضيحة. وصفعة في وجه العدالة وكل الضحايا”.
السياق التاريخي: من الدعم للتطبيع تأتي هذه الاستضافة في سياق مختلف تماماً عما كانت عليه العلاقات المغربية-الإسرائيلية تاريخياً. ففي الماضي، شارك المغرب في حروب عربية ضد إسرائيل، ومنها الدعم العسكري الذي قدمه في حرب 1973، حيث أرسل تجريدة عسكرية للمشاركة في معارك تحرير الجولان السوري من الاحتلال الإسرائيلي.
لكن العلاقات بين النظام المغربي وإسرائيل تعود إلى الخمسينيات، بحسب وثائق تاريخية، بينما تم الإعلان عن التطبيع الرسمي بين الطرفين في عام 2020، برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويلاحظ مراقبون أن التطبيع العسكري بين الجانبين أخذ منحى تصاعدياً، إذ بدأت المشاركة الإسرائيلية في مناورات “الأسد الأفريقي” عام 2022 بمراقبين فقط، ثم توسعت عام 2023 لتشمل جنوداً وضباطاً، واستمرت في نسخة 2025 رغم الجرائم الإسرائيلية المستمرة في غزة.
المفارقة الأخلاقية: تكريم الجناة أثناء المجزرة ما يثير الاستغراب والاستنكار هو توقيت هذه المشاركة، التي تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واتهامات دولية لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي. المفارقة الصارخة تكمن في أن الوحدة العسكرية نفسها المتهمة بارتكاب مجزرة ضد مسعفين وعاملين في الإغاثة قبل شهرين فقط، تتلقى الترحيب والاستضافة على أرض عربية.
يقول المحامي مراري: “مشاركة لواء غولاني تعد -إذا ثبتت- شرعنة للجرائم الجارية في قطاع غزة، وعلى رأسها جريمة التجويع والإبادة الجماعية. لا يمكن قبوله تحت أي ظرف”. ويضيف: “نُربأ بالسلطات المغربية أن تكون شريكة في هذه الفضيحة الأخلاقية، وأن توفّر غطاءً لمرتكبي الإبادة الجماعية، أو أماكن لتدريبهم استعداداً لمزيد من الجرائم ضد شعب أعزل”.
خاتمة: مأزق أخلاقي وقانوني تضع استضافة لواء غولاني على الأراضي المغربية السلطات في الرباط أمام تناقض صارخ بين مواقفها الرسمية الداعمة للقضية الفلسطينية تاريخياً ومشاركتها الحالية في تدريب قوات متهمة بارتكاب جرائم حرب. كما تضعها في موقف حرج أمام الرأي العام المغربي والعربي الذي أبدى رفضاً واسعاً للتطبيع مع إسرائيل.
المفارقة الأخلاقية والقانونية تزداد حدة مع استهداف لواء غولاني تحديداً للطواقم الطبية والعاملين في المجال الإنساني في قطاع غزة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تحمي العاملين في المجال الطبي أثناء النزاعات المسلحة.
إن هذه الخطوة تثير تساؤلات عميقة حول معايير التعاون العسكري والدبلوماسي في ظل اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وتسلط الضوء على الفجوة الواسعة بين المواقف الرسمية والشعبية تجاه القضية الفلسطينية في العديد من الدول العربية.
بينما يستمر النزاع في غزة، وتتصاعد المطالبات الدولية بمحاسبة مرتكبي الجرائم، تبقى قضية التطبيع العسكري مع وحدات متهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان محل جدل أخلاقي وقانوني يتجاوز العلاقات الثنائية ليطال مسألة الالتزام بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية الأساسية.
ماذا يعني استقبال لواء غولاني؟ استقبال هذا اللواء في دولة عربية ليس مجرد “زيارة دبلوماسية”، بل هو:
شرعنة مباشرة لجرائم الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين.
إهانة لكل القيم الإنسانية التي يدّعيها النظام المغربي.
رسالة واضحة بأن التطبيع بلغ أقصى مستوياته: من التنسيق السياسي إلى التعاون العسكري المباشر مع القتلة.
استقبال لواء غولاني في المغرب صفحة سوداء في تاريخ العلاقة بين الشعوب والحكام. هؤلاء ليسوا ضيوفاً، بل مجرمو حرب ملاحقون دولياً.
وإن كان النظام قد اختار أن يصافح أيديهم الملطخة بالدماء، فالشعب المغربي قال كلمته: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة… ولن نغفر لمن استقبل القتلة على أرضنا.”
في ضوء هذه التطورات، تتكشف أبعاد الفضيحة الأخلاقية والسياسية التي تمثلها استضافة لواء غولاني، وهو أبرز ألوية الجيش الإسرائيلي المتورط في جرائم حرب موثقة ضد المدنيين الفلسطينيين. فـاستقبال مجرمي الحرب في المغرب لم يعد مجرد حدث عابر، بل تحول إلى عنوان واضح على انزلاق بعض الأنظمة إلى تطبيع فاضح مع الاحتلال، بلغ حدّ التعاون الأمني والعسكري مع وحدات عسكرية متهمة بقتل الأطفال، وقنص المسعفين في غزة، وارتكاب المجازر في الضفة الغربية.
ويبرز هنا دور لواء غولاني في قتل المدنيين الفلسطينيين باعتباره رمزاً لـ”الاحتلال القاتل”، الأمر الذي يجعل من استضافته في الرباط تبييضاً لجرائم حرب، وصفعة في وجه كل من يؤمن بـ”فلسطين قضية الأمة”. فما بين تاريخ غولاني في العدوان على غزة، ودوره في قصف المدارس والمستشفيات، تتصاعد تساؤلات الغضب: لماذا يُستقبل جنود إسرائيليون في المغرب؟ ومن يغسل أيديهم الملطخة بالدماء؟
إن المغاربة الرافضين للتطبيع يرفعون اليوم صوتهم ضد هذا الانحدار، مؤكدين أن: “التطبيع خيانة”، و”دماء غزة ليست للبيع”، و”لا مرحباً بمجرمي الحرب”. لقد أصبح واضحاً أن التعاون بين المغرب وإسرائيل لم يعد سياسياً فقط، بل وصل إلى استقبال المتورطين بجرائم ضد الإنسانية، ما يطرح سؤالاً وطنياً وأخلاقياً كبيراً: هل تورّط المغرب في تبييض صورة الاحتلال؟