في خطوة أثارت جدلاً واسعًا بين الخبراء والمراقبين، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الدولة ستقوم بطرح الأراضي الزراعية التي تنتهي من تجهيزها أمام القطاع الخاص، سواء من خلال التملك أو الإيجار أو بنظام حق الانتفاع، وذلك ضمن ما وصفه بـ”سياسة تشجيع الاستثمار وزيادة الإنتاج الزراعي”. هذا الإعلان الذي جاء على هامش تصريحات رسمية أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول طبيعة إدارة النظام المصري للأصول العامة، ومدى استفادة المواطن المصري من هذه السياسات.
وبحسب تصريحات السيسي، فإن الأراضي التي يتم تجهيزها عبر مشروعات الدولة الزراعية الكبرى ستُعرض على مستثمرين من القطاع الخاص، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة غذاء متفاقمة وارتفاع تاريخي في أسعار السلع الأساسية، وسط تصاعد معدلات التضخم وعجز الموازنة.
تساؤلات حول النوايا الحقيقية
ورغم أن الحكومة تروّج لهذا التوجه باعتباره وسيلة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتعزيز الأمن الغذائي، يرى مراقبون أن الأمر لا يخلو من مخاطر، أبرزها تكرار سيناريو التفريط في أصول الدولة، كما حدث في قطاعات مثل الصناعة والطاقة والنقل. ويخشى البعض أن تتحول هذه المبادرة إلى باب خلفي لتمرير صفقات لصالح نخبة محدودة من رجال الأعمال المقرّبين من النظام، في ظل غياب الشفافية والمساءلة البرلمانية الحقيقية.
أين المواطن من “أرضه”؟
يُطرح السؤال الأهم: هل سيكون للمزارع المصري نصيب من هذه الأراضي؟ أم أن الأمر سيقتصر على شركات كبرى قادرة على تحمل شروط تمويل معقدة، قد تُقصي صغار المزارعين وتُحول الأرض إلى سلعة استثمارية لا تخدم الأمن الغذائي بل حسابات الأرباح؟
وفي هذا السياق، يشير خبراء إلى أن الأولوية يجب أن تكون لدعم الإنتاج الزراعي المحلي لصغار الفلاحين، عبر توفير أراضٍ مُجهزة ومدعومة بأسعار مناسبة، بدلًا من طرحها بأساليب قد تؤدي إلى احتكارها من قبل مجموعات محددة.
غياب الشفافية وتكرار الأخطاء
المخاوف تتعزز بالنظر إلى تجارب سابقة فشلت فيها مشاريع مشابهة في تحقيق نتائج ملموسة على مستوى زيادة الإنتاج أو تحسين معيشة الفلاحين. كما أن غياب بيانات واضحة حول حجم هذه الأراضي، وآليات الطرح، ومعايير الاختيار، يجعل من الصعب تقييم مدى جدوى هذه السياسات أو مراقبة تنفيذها.
سياسة الخصخصة المقنّعة؟
يرى منتقدون أن ما يجري هو شكل جديد من الخصخصة المقنّعة، يُجري تمريره تحت عناوين جذّابة مثل “تشجيع الاستثمار” و”زيادة الإنتاج”، بينما النتيجة الفعلية قد تكون مزيدًا من التركز في ملكية الموارد الزراعية، وتهميش دور الدولة في تنظيم القطاع وضمان الأمن الغذائي.
وفي بلد يواجه أزمات اقتصادية طاحنة، لم يعد المواطن المصري يتحمل المزيد من السياسات التي تُدار من أعلى دون مشاركة حقيقية، ودون شفافية في إعلان النتائج أو محاسبة على الإخفاقات.
خلاصة:
بينما يعلن الرئيس السيسي طرح أراضي الدولة للقطاع الخاص بدعوى تشجيع الاستثمار الزراعي، تتصاعد المخاوف من أن تكون هذه الخطوة استمرارًا لنهج اقتصادي يقوم على بيع الأصول وتهميش الفئات الأكثر تضررًا، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات متراكمة تحتاج إلى حلول عادلة لا تكرس الفوارق الطبقية أو تفتح الباب أمام المزيد من الغموض.
هل تكون هذه الأراضي بداية لنمو حقيقي في القطاع الزراعي؟ أم محطة جديدة في مسلسل تفكيك ممتلكات الدولة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.











