يواجه مؤيدو العودة إلى الملكية الدستورية في ليبيا خيبة أمل جديدة بعد إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا توصيات اللجنة الاستشارية في مايو 2025، والتي تجاهلت تماماً خيار استطلاع رأي الشعب الليبي حول إمكانية العودة إلى دستور الاستقلال لعام 1951.
الخلفية التاريخية لدستور 1951 وأهميته الدستورية
يُعتبر دستور عام 1951 الوثيقة التأسيسية الأولى والوحيدة في تاريخ ليبيا الحديث، والذي أصدرته الجمعية الوطنية الليبية في 7 أكتوبر 1951. هذا الدستور أسس للمملكة الليبية المتحدة تحت حكم الملك إدريس الأول، وحدد ليبيا كدولة ملكية وراثية ذات نظام نيابي.
استمر العمل بهذا الدستور لمدة 18 عاماً حتى الانقلاب العسكري الذي قاده معمر القذافي في الأول من سبتمبر 1969، والذي أطاح بنظام المملكة وأوقف العمل بالدستور. منذ ذلك التاريخ، لم تعرف ليبيا دستوراً معتمداً رسمياً، مما يجعل دستور 1951 الوثيقة الدستورية الوحيدة المكتملة في تاريخ البلاد الحديث.
تزايد الدعوات للعودة إلى الملكية الدستورية
تشهد الساحة الليبية منذ سنوات تزايداً ملحوظاً في الدعوات للعودة إلى النظام الملكي الدستوري، خاصة مع تعمق الأزمة السياسية وفشل المحاولات المتكررة لوضع دستور جديد أو إجراء انتخابات موحدة. ينشط دعاة الملكية الدستورية تحت عنوان “المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية لليبيا”.
عقد أنصار العودة إلى الملكية ملتقيات في عدد من المدن بالمنطقة الغربية، على غرار طرابلس ومصراتة وترهونة. هذا النشاط ليس جديداً، إذ سبقته مؤتمرات في طرابلس عام 2018، وآخران في مدينتي غريان والبيضاء في 2017.
الدعم السياسي والقبلي
لم يقتصر دعم الملكية الدستورية على شيوخ القبائل، بل ضم أيضاً حزب التكتل الاتحادي الفيدرالي، الذي لديه تمثيل في مجلس النواب بطبرق، وطالب في 2015 البرلمان باعتماد دستور الاستقلال. في نفس العام، دعا أعضاء في هيئة صياغة الدستور بالعودة إلى دستور 1951.
توصيات اللجنة الاستشارية الأممية والإغفال المثير للجدل
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 20 مايو 2025 توصيات اللجنة الاستشارية المكونة من 20 خبيراً ليبياً، والتي اجتمعت أكثر من 20 مرة في كل من طرابلس وبنغازي على مدار ثلاثة أشهر.
طرحت اللجنة أربعة خيارات قالت إنها يمكن أن تشكل خريطة طريق لإجراء الانتخابات، لكنها لم تتضمن أي إشارة إلى خيار استطلاع رأي الشعب حول العودة إلى دستور 1951. هذا الإغفال أثار استياء أنصار الملكية الدستورية، الذين اعتبروه تجاهلاً مقصوداً لخيار يحظى بدعم شعبي متزايد.
الأزمة السياسية الراهنة وحالة الانقسام المؤسسي
تشهد ليبيا حالياً أزمة سياسية حادة تتمثل في الانقسام المؤسسي بين الشرق والغرب، حيث تتنازع حكومتان على الشرعية والسلطة. في الشرق، توجد حكومة معينة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، بينما في الغرب تسيطر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن حكومة الدبيبة “منتهية” و”ساقطة وفقاً لقرار مجلس النواب بسحب الثقة منها في عام 2021″. اتهم صالح الحكومة بـ”تعميق الانقسام المؤسسي، وزيادة الهوة، وهدم الثقة بين الليبيين”.
ردود الأفعال السياسية والمواقف المتباينة
تباينت ردود الأفعال حول اقتراح العودة إلى دستور 1951 بين مؤيد ومعارض. أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عزمه استفتاء الشعب الليبي على نتائج وتوصيات اللجنة الاستشارية، لكنه لم يشر إلى إمكانية إدراج خيار دستور 1951 ضمن الاستفتاء.
في المقابل، أرسل 75 عضواً من أعضاء مجلس الدولة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أغسطس 2024، يطلبون فيها دعمه في مساعدتهم على عودة نظام الملكية الدستورية بقيادة ولي العهد محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي وإعادة العمل بدستور 1951.
التحديات والعقبات أمام تطبيق دستور 1951
رغم تزايد الدعوات للعودة إلى دستور 1951، تواجه هذه الفكرة تحديات وعقبات كبيرة. أولاً، هناك تحدي الواقع السياسي المعقد في ليبيا، حيث تتصارع أطراف مختلفة على السلطة ولكل منها رؤيته الخاصة للحل.
ثانياً، يواجه أنصار الملكية صعوبة في النشاط بالمنطقة الشرقية التي تسيطر عليها قوات خليفة حفتر، بالرغم من أن إعلان ميلاد المملكة الليبية المتحدة تم في بنغازي. ثالثاً، هناك تحدي المجتمع الدولي الذي يركز على الحلول المؤقتة والانتخابات السريعة دون النظر في خيارات أكثر جذرية مثل العودة إلى النظام الملكي.
التطلعات المستقبلية
يُظهر تجاهل اللجنة الاستشارية الأممية لخيار استطلاع رأي الشعب حول دستور 1951 تحدياً جديداً أمام أنصار العودة إلى الملكية الدستورية في ليبيا. هذا التجاهل يأتي في وقت تشتد فيه الحاجة إلى حلول إبداعية وشاملة للأزمة الليبية المستمرة منذ أكثر من عقد.
النجاح في تطبيق هذا الخيار يتطلب بناء توافق وطني واسع وكسب دعم دولي، بالإضافة إلى وضع آليات عملية للانتقال السلس. كما يتطلب معالجة المخاوف المشروعة حول قدرة النظام الملكي على التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين ومتطلبات الحكم الديمقراطي الحديث.










