منذ تأسيسها في مرآب صغير بكاليفورنيا، سطرت شركة آبل قصة نجاح استثنائية قادتها لتصبح أول شركة في العالم تتجاوز قيمتها السوقية حاجز 3 تريليونات دولار في يناير 2022. استمرت آبل في الابتكار وتوسيع منتجاتها، مما عزز مكانتها كأكبر شركة تكنولوجيا من حيث القيمة السوقية عالميًا، حيث بلغت قيمتها في فبراير 2025 نحو 2.797 تريليون دولار. إلا أن هذه المسيرة المظفرة واجهت مؤخرًا تحديات غير مسبوقة، دفعت بأسهم الشركة إلى الهبوط الحاد وأعادت طرح تساؤلات حول مستقبلها في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية.
شرارة الأزمة: ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية ضخمة
في تطور مفاجئ، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحًا مثيرًا على منصة تروث سوشيال يوم الجمعة، هدد فيه بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على جميع أجهزة الآيفون المباعة في الولايات المتحدة إذا لم تكن مُصنّعة داخل البلاد. وأوضح ترامب أنه سبق وأبلغ تيم كوك، الرئيس التنفيذي لآبل، بأن على الشركة تصنيع هواتفها داخل أميركا وليس في الهند أو أي مكان آخر، وإلا ستواجه هذه الرسوم الباهظة.
تداعيات فورية: هبوط عنيف في أسهم آبل والأسواق العالمية
جاءت تصريحات ترامب كالصاعقة على المستثمرين، حيث هبطت أسهم آبل بأكثر من 2 في المئة يوم الجمعة، وتراجعت قيمتها السوقية إلى ما دون 3 تريليونات دولار. في التداولات المبكرة، انخفضت أسهم الشركة بنسبة 3.5 في المئة، قبل أن تتعافى جزئيًا لاحقًا. لم تقتصر التداعيات على آبل وحدها، بل امتدت إلى مؤشرات ناسداك وداو جونز وS&P 500 التي شهدت تراجعًا ملحوظًا، في ظل مخاوف من موجة تصعيد جديدة في الحروب التجارية العالمية.
خلفيات اقتصادية: لماذا تهدد الرسوم الجمركية مستقبل آبل؟
تعتمد آبل بشكل كبير على سلاسل توريد عالمية، حيث يتم تصنيع أكثر من 80 في المئة من أجهزة الآيفون في الصين، مع توسع متزايد في الهند خلال السنوات الأخيرة. أي رسوم جمركية بهذا الحجم ستعني زيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج أو ارتفاع أسعار البيع للمستهلك الأميركي، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مبيعات الشركة وأرباحها.
تقديرات المحللين تشير إلى أن فرض رسوم 25 في المئة قد يرفع سعر الآيفون بنحو 350 دولارًا أي أكثر من 30 في المئة من سعره الحالي، أو يؤدي إلى تراجع أرباح آبل بنسبة تصل إلى 15 في المئة إذا قررت الشركة تحمل التكاليف بدلًا من تمريرها للمستهلكين. كما أن نقل خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة يُعد حلمًا بعيد المنال بحسب المحللين، وقد يستغرق بين 5 إلى 10 سنوات، مع ارتفاع هائل في التكاليف.
أبعاد سياسية وتجارية أوسع
تهديدات ترامب لم تقتصر على آبل فقط، بل شملت أيضًا اقتراح فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على واردات الاتحاد الأوروبي ابتداءً من يونيو 2025، في حال فشل المفاوضات التجارية. هذا التصعيد يأتي ضمن سياسة ترامب لإعادة التصنيع إلى أميركا، لكنه يثير مخاوف من ردود فعل انتقامية واضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.
كيف استجابت آبل؟
حتى الآن، لم تصدر آبل تعليقًا رسميًا على تصريحات ترامب الأخيرة. لكن الشركة كانت قد أعلنت في وقت سابق عن خطط لتعزيز إنتاجها في الهند، حيث استثمرت شركات مثل فوكسكون 1.5 مليار دولار في مصانع جديدة هناك. مع ذلك، يبقى الاعتماد الأكبر لآبل على الصين، ما يجعلها عرضة لأي تغييرات مفاجئة في السياسات التجارية الأميركية.
تأثيرات عابرة للقطاعات: من وول ستريت إلى العملات الرقمية
لم يكن تراجع قيمة آبل حدثًا منعزلًا، بل انعكس أيضًا على معنويات المستثمرين في قطاعات أخرى، مثل العملات الرقمية، حيث شهدت بيتكوين وإيثريوم تراجعات متزامنة مع انخفاض أسهم آبل، في مؤشر على انتقال حالة العزوف عن المخاطرة من أسواق الأسهم إلى الأصول البديلة.
إلى أين تتجه آبل والسوق العالمي؟
المحللون يرون أن مستقبل آبل سيتوقف على قدرتها على التكيف مع التحولات الجيوسياسية، سواء عبر تنويع سلاسل التوريد أو امتصاص جزء من التكاليف أو حتى رفع الأسعار بشكل مدروس. في المقابل، فإن استمرار التصعيد التجاري قد يهدد ليس فقط آبل، بل الاقتصاد العالمي ككل، في ظل ترابط سلاسل الإنتاج والتجارة العابرة للقارات.
خلاصة
ما حدث هذا الأسبوع في أسواق المال ليس مجرد تراجع عابر في قيمة آبل، بل هو إنذار مبكر حول هشاشة النظام الاقتصادي العالمي أمام قرارات سياسية مفاجئة. تظل آبل رمزًا للابتكار والنجاح الأميركي، لكن التحديات الراهنة تفرض عليها إعادة رسم استراتيجياتها بسرعة، في عالم لم يعد فيه النجاح مضمونًا حتى لعمالقة التكنولوجيا.
كل التفاؤل بشأن الاتفاقات التجارية تبخر في لحظات… الأسواق باتت أكثر قلقًا من أي وقت مضى.
فواد رزق زاده، محلل أسواق










