تشهد الأسواق العالمية حالة من الترقب بعد الإعلان عن أول إصابة مؤكدة بإنفلونزا الطيور في مزرعة تجارية بالبرازيل، أكبر مصدر للدواجن في العالم. جاء ذلك في وقت يتسارع فيه التحول نحو الطاقات النظيفة، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد على توازن الأسواق الغذائية والطاقة عالميًا.
تداعيات سريعة على تجارة الدواجن وأسعارها
مع تأكيد الإصابة في ولاية ريو غراندي دو سول، سارعت دول كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكوريا الجنوبية إلى فرض حظر مؤقت على واردات الدواجن البرازيلية، ما أدى إلى توقف صادرات تمثل أكثر من 40% من عائدات القطاع، أي ما يفوق 4 مليارات دولار سنويًا. البرازيل، التي تسيطر على ثلث سوق تصدير الدجاج عالميًا، يصعب استبدالها بسرعة، ما يضع المستوردين في موقف هش ويهدد بارتفاع أسعار الدجاج في الأسواق الدولية خلال الأسابيع المقبلة.
تشير تقديرات رسمية إلى أن 23 سوقًا أغلقت أبوابها أمام الدجاج البرازيلي، ما يمثل 45% من صادرات البلاد في أبريل الماضي، أي نحو 212 ألف طن من أصل 462.9 ألف طن، بقيمة 413.9 مليون دولار من إجمالي 906.1 مليون دولار للصادرات الشهرية. وقد تصل الخسائر إلى 150 مليون دولار شهريًا إذا استمر الحظر، مع توقعات بخسائر سنوية قد تتراوح بين 500 مليون ومليار دولار في حال استمرار الأزمة.
أثر اقتصادي مزدوج: ارتفاع عالمي وانخفاض محلي مؤقت
على الصعيد العالمي، يتوقع أن يؤدي نقص الإمدادات إلى ارتفاع أسعار الدجاج والبيض، خاصة في آسيا وأوروبا، حيث تعتمد العديد من الدول بشكل كبير على الدواجن البرازيلية. أما محليًا، فقد يؤدي فائض المعروض في السوق البرازيلية إلى انخفاض الأسعار مؤقتًا، ما قد يخفف من حدة التضخم الغذائي الذي بلغ 7.8% في العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الدواجن والبيض بنسبة 12.3%.
لكن هذا الأثر الإيجابي على المستهلك البرازيلي قد يكون قصير الأمد، إذ أن استمرار انخفاض الأسعار قد يدفع المنتجين إلى تقليص الإنتاج أو إيقافه إذا انخفضت الأسعار دون تكلفة الإنتاج، ما يهدد الوظائف في القطاع الذي يوظف أكثر من 213 ألف شخص.
تأثيرات أعمق على سلسلة الإمداد العالمية
تؤدي إنفلونزا الطيور إلى اضطرابات واسعة في سلاسل الإمداد، ليس فقط في اللحوم بل أيضًا في الأعلاف والصناعات المرتبطة بها. فمع تراجع الإنتاج، تتأثر مصانع الأعلاف، وتزداد التقلبات في أسعار المواد الأولية. كما أن حالات الإعدام الجماعي للطيور تؤدي إلى خسائر مباشرة في الإنتاج وتكاليف إضافية للتطهير وإعادة التأهيل، ما ينعكس على الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الزراعي في البرازيل، والذي يمثل 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
تشير دراسات إلى أن خسائر قطاع الدواجن بسبب تفشي إنفلونزا الطيور في مناطق أخرى قد تصل إلى 63 مليون دولار في ستة أشهر عند فقدان 25% من الإنتاج، مع خسائر في القيمة المضافة تتجاوز 16 مليون دولار.
الطاقات النظيفة: عامل استقرار جديد في الأسواق
على الجانب الآخر، يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في الاستثمار في الطاقات المتجددة. في عام 2024، تم إضافة 585 غيغاواط من قدرات الطاقة النظيفة، لتشكل أكثر من 90% من النمو في الطاقة عالميًا، مع توقعات بأن تمثل الطاقة المتجددة 35% من إنتاج الكهرباء عالميًا في 2025.
هذا التوسع في الطاقات النظيفة يخلق فرصًا لتعزيز استقرار الأسواق وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، ما يسهم في تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي على المدى المتوسط، ويعزز مرونة الاقتصادات أمام الصدمات مثل الأوبئة أو تقلبات أسعار الطاقة.
تحليلات وتوصيات اقتصادية
- تنويع مصادر الاستيراد والتصدير:
ينبغي للدول المستوردة للدواجن البرازيلية البحث عن موردين جدد مثل تايلاند أو الولايات المتحدة، رغم صعوبة سد الفجوة بسرعة. أما البرازيل، فعليها تسريع إجراءات استعادة الثقة الصحية وتوسيع أسواقها البديلة لتقليل الخسائر. - دعم المنتجين المحليين:
ينصح بتقديم دعم مالي وفني للمزارعين المتضررين لتقليل خسائرهم وتحفيزهم على تبني إجراءات وقائية صارمة، بما في ذلك الاستثمار في أنظمة الطاقة المتجددة لتقليل التكاليف وزيادة الاستدامة. - تعزيز الأمن الحيوي ومراقبة الأمراض:
ينبغي للحكومات والشركات الاستثمار في مراقبة الأمراض وتطبيق بروتوكولات الأمن الحيوي الصارمة، مع تطوير برامج تعويض فعالة وسريعة للمنتجين المتضررين، وتبني استراتيجيات الاستجابة السريعة للأوبئة. - تسريع التحول للطاقة النظيفة في القطاع الزراعي:
تشير التجارب إلى أن اعتماد الطاقة الشمسية أو تحويل مخلفات الدواجن إلى طاقة حيوية يمكن أن يخفض التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 60% في بعض المزارع، ويوفر مصادر دخل إضافية عبر بيع الفائض من الكهرباء. - مراقبة تأثيرات الأسعار على المستهلكين:
ينبغي للسلطات مراقبة تقلبات الأسعار محليًا وعالميًا، واتخاذ إجراءات لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار المفرط، خاصة في الدول النامية التي تعتمد بشكل أساسي على الدواجن كمصدر بروتين رئيسي.
خاتمة: توازن الأسواق بين تهديدات الأمراض وفرص الطاقة النظيفة
تكشف أزمة إنفلونزا الطيور في البرازيل عن هشاشة سلاسل الإمداد الغذائية العالمية، لكنها تبرز في الوقت نفسه أهمية تنويع مصادر الغذاء والطاقة. في ظل التوسع السريع للطاقات النظيفة، تملك الحكومات والشركات فرصة لإعادة رسم خريطة الأمن الغذائي والطاقة، وتحقيق توازن أكثر استدامة ومرونة أمام الأزمات المستقبلية.






