شهدت الأسواق الأوروبية بداية تداولات الثلاثاء 27 مايو 2025 استقراراً وارتفاعاً ملحوظين، حيث ارتفع مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي بنسبة 0.18% ليصل إلى 551.44 نقطة، مدفوعاً بتحسن المعنويات عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي حتى 9 يوليو المقبل، في خطوة اعتبرها كثيرون بمثابة هدنة مؤقتة في الحرب التجارية المتجددة بين الطرفين.
خلفية القرار وتأثيره الفوري
جاء قرار التأجيل بعد أيام من التهديدات الأميركية بفرض رسوم ضخمة على السلع الأوروبية، وهو ما دفع الأسواق إلى موجة هبوط حادة نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن تعود للارتفاع مع إعلان التأجيل. هذا التذبذب الحاد يعكس مدى هشاشة الثقة في الأسواق الأوروبية أمام السياسات التجارية الأميركية المتقلبة، إذ فقد مؤشر ستوكس 600 نحو 2% خلال 30 دقيقة فقط فور إعلان الرسوم، لكنه استعاد معظم خسائره بعد تراجع ترامب عن التنفيذ الفوري.
القطاعات الأكثر حساسية للرسوم، مثل السيارات وقطع الغيار، كانت الأكثر تضرراً ثم تعافت سريعاً، فيما استفادت أسهم شركات الدفاع من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة مع روسيا، إذ ارتفع مؤشر قطاع الدفاع الأوروبي بنسبة 1%. أما القطاعات التكنولوجية والطاقة، فقد شهدت بدورها انتعاشاً ملحوظاً مع تحسن المعنويات وعودة الاستقرار النسبي للأسواق.
تحليل نقدي: استقرار هش وسيناريوهات ضبابية
رغم الارتياح الظاهري في الأسواق، إلا أن هذا الاستقرار يبدو هشاً ومؤقتاً في ظل غياب حلول جذرية للصراع التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالتأجيل لا يعني انتهاء الخلافات، بل يمنح الطرفين فترة قصيرة لإعادة التفاوض وسط مطالب أميركية متشددة، خاصة فيما يتعلق بالضرائب على الاستهلاك الأوروبي والتنظيمات الرقمية، وهي مطالب ترفضها بروكسل بشكل قاطع.
تُظهر ردود فعل الأسواق أن المستثمرين باتوا يتعاملون مع تهديدات ترامب كأداة تفاوضية أكثر من كونها سياسة اقتصادية ثابتة، ما أدى إلى تراجع حدة التأثيرات السلبية على المؤشرات الأوروبية مقارنة بالماضي. ومع ذلك، فإن استمرار هذا النهج “المتأرجح” في السياسات التجارية يخلق بيئة غير مستقرة ويضعف من قدرة الشركات الأوروبية على التخطيط والاستثمار على المدى المتوسط والطويل.
انعكاسات على الثقة والاستثمار
المؤشرات الاقتصادية المصاحبة، مثل تراجع عوائد السندات الألمانية وتحسن طفيف في مؤشرات ثقة المستثمرين، تعكس حالة من التفاؤل الحذر، لكنها لا تخفي حقيقة أن الأسواق لا تزال عرضة للانتكاسات في حال فشل المفاوضات أو عودة التصعيد الجمركي. كما أن تراجع التضخم في فرنسا وضعف الإنفاق الاستهلاكي في ألمانيا يسلطان الضوء على هشاشة التعافي الاقتصادي الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على استقرار العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
نقد السياسات الأوروبية والأميركية
يمكن انتقاد السياسات الأوروبية لافتقارها إلى استراتيجية موحدة وصلبة في مواجهة الضغوط الأميركية، حيث تظهر الانقسامات بين الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع المطالب الأميركية، ما يضعف موقف الاتحاد التفاوضي ويمنح واشنطن مساحة أكبر للمناورة. في المقابل، تواصل الإدارة الأميركية استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط سياسي واقتصادي، رغم ما تسببه من اضطراب في الأسواق العالمية وتهديد لسلاسل الإمداد، وهو ما ينعكس سلباً على الشركات الصغيرة والمتوسطة في كلا الجانبين.
خلاصة
الاستقرار الحالي في الأسواق الأوروبية أشبه بـ”هدنة مؤقتة” أكثر منه تعافياً حقيقياً، إذ يبقى مرهوناً بنتائج المفاوضات التجارية بين واشنطن وبروكسل.
استمرار السياسات المتأرجحة من الطرفين يهدد بتكرار موجات التذبذب، ويضعف مناخ الاستثمار والثقة في الاقتصاد الأوروبي.
المطلوب اليوم ليس مجرد تأجيل للأزمات، بل حلول جذرية تضمن استدامة العلاقات التجارية وتحصين الاقتصاد الأوروبي أمام الصدمات الخارجية المتكررة.







