في خطوة جديدة تؤكد استمرار اعتماد الحكومة المصرية على الاستثمارات الأجنبية، وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقداً مع شركة “شاوشين بيكي للمنسوجات” الصينية لإنشاء مصنع ملابس جاهزة بالقنطرة غرب باستثمارات تبلغ 7 ملايين دولار. ورغم الترويج الرسمي لهذا المشروع باعتباره إنجازاً اقتصادياً يوفر 3000 فرصة عمل مباشرة وينتج أكثر من 10 ملايين قطعة سنوياً، يخصص 90% منها للتصدير، إلا أن هذا النمط من الاستثمارات يسلط الضوء على مشكلات أعمق في بنية الاقتصاد المصري وتوجهاته التنموية.
ففي الوقت الذي تعاني فيه مصر من تدهور اقتصادي غير مسبوق، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، تواصل الحكومة منح امتيازات واسعة للمستثمرين الأجانب، وتحديداً الصينيين، في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. هذه الامتيازات تشمل إعفاءات ضريبية وجمركية، وتخصيص الأراضي بأسعار أقل من باقي المناطق الصناعية، وتسهيلات إدارية غير مسبوقة، في حين يعاني المستثمر المحلي من البيروقراطية وارتفاع التكاليف، ما يكرس التبعية للخارج ويضعف فرص نمو الصناعة الوطنية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المشروعات بالمنطقة ارتفع إلى 21 مشروعاً بإجمالي استثمارات 603.5 مليون دولار وتوفير 30.6 ألف فرصة عمل مباشرة. لكن اللافت أن الاستثمارات الأجنبية، وخصوصاً الصينية، تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه المشروعات، إذ باتت الصين تسيطر وحدها على أكثر من 60% من الاستثمارات الأجنبية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مستفيدة من موقع مصر الجغرافي واتفاقياتها التجارية، ومن انخفاض تكلفة العمالة والأراضي، في حين أن القيمة المضافة الحقيقية للاقتصاد الوطني تظل محدودة، خاصة مع توجه معظم الإنتاج للتصدير وليس للسوق المحلي.
ويأتي هذا في سياق أوسع من توجه الحكومة المصرية نحو منح امتيازات غير مسبوقة للشركات الأجنبية، كما حدث مع الاستثمارات الروسية والإماراتية في مناطق صناعية ولوجستية أخرى حول قناة السويس. هذه السياسات تثير تساؤلات حول جدوى الاعتماد المفرط على رأس المال الأجنبي في ظل غياب استراتيجية واضحة لتوطين التكنولوجيا ونقل الخبرات، أو دعم الصناعات المحلية القادرة على المنافسة وتوفير فرص عمل مستدامة.
إن استمرار الحكومة في تقديم الحوافز السخية للمستثمرين الأجانب دون رقابة حقيقية أو شفافية في العقود، ومع تحصين هذه العقود من الطعن القانوني، يفتح الباب أمام مزيد من الهيمنة الأجنبية على قطاعات استراتيجية، ويعمق أزمة التبعية الاقتصادية، بدلاً من أن يكون الاستثمار الأجنبي أداة لدعم الاقتصاد الوطني وتنميته. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، تظل هذه السياسات موضع نقد وتساؤل حول أولويات الحكومة وجدوى هذه المشروعات في معالجة التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه المواطن المصري






