أعرب البيت الأبيض عن إحباط غير معتاد تجاه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، محذرا من أن انشغاله بالصراع السياسي الداخلي في مقديشو يعرقل جهود مكافحة الإرهاب، في وقت تعيد فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسم سياساتها تجاه إفريقيا، بما في ذلك تقليص المساعدات وتقليديا دعمها الأمني.
وقال مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة واشنطن بوست: “نشعر بقلق متزايد إزاء قيام الرئيس حسن شيخ بتقديم الأولويات السياسية المحلية على حملة مكافحة الإرهاب – في وقت يتزايد فيه التهديد الذي تشكله حركة الشباب”. وأضاف أن هذا التوجه من شأنه تقويض المكاسب الأمنية التي تحققت بشق الأنفس خلال السنوات الأخيرة.
تصاعد الخطر وتراجع الدعم
تأتي هذه التصريحات وسط تقدم ميداني لحركة الشباب، الفصيل التابع لتنظيم القاعدة، الذي استعاد خلال الأشهر الماضية عدة مناطق استراتيجية في وسط الصومال وجنوبه، وسط تقهقر في أداء القوات الحكومية وتراجع معنوياتها بعد تقليص الدعم الأمريكي والغربي.
وتعد حركة الشباب واحدة من أكثر التنظيمات الإرهابية تمويلا وشراسة، وقد سبق أن نفذت هجمات ضد مصالح أمريكية، من بينها استهداف قاعدة جوية في كينيا، وتخطيطها لهجمات محتملة داخل الولايات المتحدة، بحسب مسؤولين أمريكيين.
رغم عودة عدد محدود من القوات الأمريكية إلى الصومال بعد انسحابها نهاية الولاية الأولى لترامب، فإن المساعدات الأمريكية للقوات الخاصة الصومالية قد تقلصت، بينما يراجع البنتاغون خطط نشر أوسع في البلاد وسط قلق من الانزلاق في مستنقع أمني مكلف وغير محسوب النتائج.
الانقسام الداخلي يعرقل الجهود
تزامن تدهور الوضع الأمني مع صراع داخلي بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية، ما فاقم ضعف الدولة الهشة. مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون أعربوا عن قلقهم من أن الانقسامات السياسية الداخلية تعطي مساحة أكبر لحركة الشباب لإعادة تنظيم صفوفها والتوسع.
وقال مسؤول سابق في الخارجية الأمريكية: “جلست مع مسؤولي البيت الأبيض وسألوني: ماذا لو تركنا الصومال يحترق؟ هل يمكننا احتواؤه؟ قلت لهم: لا!”.
تركيا تملأ الفراغ
في ظل تراجع الدور الأمريكي، وجهت حكومة مقديشو أنظارها نحو تركيا، التي باتت تلعب دورا أمنيا متزايدا في البلاد. تشمل هذه الشراكة تسليم طائرات مسيرة، وصول مئات الجنود الأتراك إلى العاصمة، وعقد اتفاقات للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الصومالية.
هذا التوجه يثير مخاوف أمريكية بشأن توسيع تركيا لنفوذها في القرن الإفريقي، وتحولها إلى شريك أمني بديل في بلد طالما اعتبر ساحة مهمة في المعركة العالمية ضد الإرهاب.
مستقبل غامض
تطرح هذه المعطيات أسئلة حول ما إذا كانت واشنطن لا تزال ترى في الصومال أولوية استراتيجية، أو أنها بصدد الانسحاب التدريجي من المشهد الإفريقي، ما يفتح الباب أمام تحولات جيوسياسية إقليمية كبيرة، قد تضعف جهود مكافحة الإرهاب وتغير موازين القوى في المنطقة.










