في قلب سوق الأزياء الرقمية، حيث يتسابق الملايين يوميًا وراء صفقات مغرية على منصة “شي إن” الصينية، انفجرت قنبلة تنظيمية في بروكسل هزت أركان التجارة الإلكترونية العالمية. فقد كشفت تحقيقات رسمية أوروبية عن سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي تمس حقوق المستهلك، لتجد شي إن نفسها أمام مهلة حاسمة: إما التصحيح السريع، أو مواجهة غرامات قد تهدد استمرارها في القارة العجوز.
التفاصيل: اتهامات أوروبية حادة لممارسات شي إن
أعلنت المفوضية الأوروبية بالتعاون مع سلطات حماية المستهلك في عدة دول – منها بلجيكا وفرنسا وهولندا وإيرلندا – عن نتائج تحقيق موسع كشف عن “مجموعة واسعة من الممارسات التجارية غير العادلة” من قبل منصة شي إن. أبرز الاتهامات شملت:
- تقديم خصومات وهمية: عرض تخفيضات لا تعكس أسعارًا سابقة حقيقية، واستخدام أسعار “قبل” مبالغ فيها لإيهام المستهلكين بصفقات استثنائية.
- خلق ضغوط نفسية على المستهلك: استخدام مؤقتات عد تنازلي زائفة أو عروض محدودة الوقت لدفع المستهلك لاتخاذ قرار الشراء بسرعة دون تفكير كاف.
- تضليل بشأن الاستدامة: ترويج مزاعم خضراء أو صديقة للبيئة بدون أدلة كافية أو عبر عبارات غامضة، في ظل تشكيك متزايد من جهات رقابية أوروبية في مصداقية هذه الادعاءات.
- إخفاء معلومات التواصل: صعوبة وصول المستهلكين إلى خدمة العملاء أو تقديم شكاوى أو طلب استرداد الأموال، ما يقوض حقوقهم الأساسية.
- معلومات ناقصة عن حقوق الإرجاع والاسترداد: تقديم إرشادات غير دقيقة أو ناقصة حول كيفية إعادة المنتجات واسترداد الأموال، وعدم الامتثال الكامل للحقوق القانونية للمستهلكين في الاتحاد الأوروبي.
- تضليل في تصنيف المنتجات والتقييمات: استخدام ملصقات أو أوصاف توحي بميزات خاصة بينما هي في الواقع متطلبات قانونية، بالإضافة إلى الحاجة لمزيد من الشفافية في عرض التقييمات وآليات التصنيف.
مهلة حاسمة وغرامات محتملة
منحت المفوضية الأوروبية منصة شي إن مهلة شهر واحد فقط للرد على نتائج التحقيق وتقديم خطة واضحة لمعالجة هذه الانتهاكات. وفي حال عدم الاستجابة أو اتخاذ إجراءات تصحيحية ملموسة، ستواجه الشركة غرامات مالية ضخمة تُحتسب بناءً على حجم مبيعاتها في الدول الأوروبية المعنية، وقد تصل إلى 6% من إيراداتها العالمية السنوية. كما قد تخضع لمزيد من القيود بموجب قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، الذي يفرض معايير صارمة على المنصات الرقمية الكبرى لضمان حماية المستهلكين.
خلفية اقتصادية: صعود شي إن وتحدياتها العالمية
تأسست شي إن في الصين، وحققت نموًا هائلًا عبر نموذج “الأزياء السريعة” وأسعارها المنخفضة، لتصبح أحد أكبر اللاعبين في سوق التجارة الإلكترونية العالمي، مع أكثر من 100 مليون مستخدم نشط شهريًا في أوروبا وحدها. لكن هذا النمو السريع ترافق مع انتقادات حادة حول جودة المنتجات، ظروف العمل في سلاسل التوريد، والتأثير البيئي الضخم لنموذج الإنتاج السريع.
في السنوات الأخيرة، واجهت شي إن أيضًا تحديات تنظيمية في أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة والهند، حيث تم فرض رسوم جمركية جديدة أو حظر مؤقت، ما أثر على معدلات نموها وأرباحها. كما تزايدت المنافسة مع منصات صينية أخرى مثل “تيمو”، ما أدى إلى انخفاض أرباح شي إن بنسبة 40% عام 2024 رغم زيادة مبيعاتها.
الاستدامة و”الغسل الأخضر”: بين الادعاءات والحقائق
رغم إعلان شي إن عن مبادرات بيئية واستثمارها في حلول إعادة تدوير المنسوجات، إلا أن الجهات الرقابية الأوروبية – مثل هيئة المنافسة الإيطالية – فتحت تحقيقات حول “الغسل الأخضر”، متهمة الشركة بتضليل المستهلكين عبر مزاعم بيئية غير دقيقة أو غير مدعومة بأدلة واضحة. ويأتي ذلك في ظل تشديد الاتحاد الأوروبي على ضرورة التحقق من صحة الادعاءات البيئية، خاصة في قطاع الأزياء الذي يُعد من أكثر القطاعات إضرارًا بالبيئة.
ما الذي ينتظر شي إن؟
هذه الأزمة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة شي إن على الالتزام بالمعايير الأوروبية الصارمة، ليس فقط لحماية المستهلك، بل أيضًا لضمان الشفافية والاستدامة في قطاع الأزياء الرقمية. فمع تصاعد الضغوط التنظيمية وتزايد وعي المستهلكين، قد تجد شي إن نفسها مضطرة لإعادة النظر جذريًا في ممارساتها التجارية إذا أرادت الحفاظ على مكانتها في السوق الأوروبي.
قوانين حماية المستهلك في الاتحاد الأوروبي ليست اختيارية – ويجب تطبيقها في جميع الحالات. – مايكل مكغراث، مفوض العدل وحماية المستهلك الأوروبي.
خلاصة
تضع هذه التطورات شي إن أمام مفترق طرق: إما تصحيح المسار والامتثال الكامل للمعايير الأوروبية، أو مواجهة عقوبات قد تهدد مستقبلها في أحد أكبر أسواقها العالمية. وفي ظل المنافسة الشرسة والتغيرات التنظيمية المتسارعة، يبقى السؤال: هل تستطيع شي إن تجاوز العاصفة أم أن عصر الأزياء السريعة الرخيصة يقترب من نهايته في أوروبا؟











