في خطوة تعكس حجم الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها كوريا الجنوبية، أقدم بنك كوريا المركزي على خفض معدل الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.5%، وهو أدنى مستوى منذ أغسطس 2022. وتأتي هذه الخطوة، التي تعد رابع خفض للفائدة خلال ستة اجتماعات فقط، في ظل أزمة سياسية داخلية غير مسبوقة وضغوط خارجية متزايدة، خصوصاً من جانب الرسوم الجمركية الأميركية.
دوافع القرار: اقتصاد متباطئ وتوقعات قاتمة للنمو
يأتي قرار خفض الفائدة في وقت يعاني فيه الاقتصاد الكوري من تباطؤ واضح. فقد خفض البنك المركزي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 بشكل حاد من 1.5% إلى 0.8% فقط، في مؤشر على تزايد التشاؤم بشأن آفاق النمو. وأظهرت البيانات انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.2% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالربع السابق، وهو أول انكماش ربع سنوي منذ تسعة أشهر.
البنك المركزي أشار في بيانه إلى أن ضعف الطلب المحلي وعدم اليقين المرتبط بالرسوم الجمركية الأميركية كانا من أبرز دوافع القرار. كما أكد أن المخاوف بشأن ديون الأسر وتقلبات سوق الصرف الأجنبي لا تزال قائمة، إلا أن الأولوية باتت لدعم النمو الاقتصادي وتخفيف الضغوط الهبوطية.
الأزمة السياسية: اضطرابات داخلية تلقي بظلالها على الاقتصاد
تزامن قرار خفض الفائدة مع تصاعد أزمة سياسية حادة في البلاد، إثر محاولة الرئيس السابق يون سيوك-يول فرض الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي، ما أدى إلى فوضى سياسية وتراجع ثقة المستهلكين وإنفاقهم. انتهت هذه المحاولة بالفشل تحت ضغط البرلمان والمعارضة، التي سارعت إلى التصويت على عزل الرئيس، ليتم إقالته لاحقاً. وتستعد البلاد حالياً لانتخابات رئاسية مرتقبة في الثالث من يونيو، وسط حالة من عدم اليقين السياسي.
هذه الاضطرابات السياسية كان لها تأثير مباشر على الاقتصاد، حيث تراجعت ثقة المستثمرين وتباطأت وتيرة خلق فرص العمل في قطاعات التصنيع وغيرها.
ضغوط خارجية: الرسوم الجمركية الأميركية تهدد القطاعات الحيوية
إلى جانب الأزمات الداخلية، تواجه كوريا الجنوبية تحديات خارجية كبيرة، أبرزها السياسات الحمائية الأميركية. فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية متبادلة تصل إلى 25% على السلع الكورية الجنوبية، مع تعليق التنفيذ مؤقتاً لمدة 90 يوماً في انتظار نتائج المفاوضات الجارية بين البلدين.
قطاع السيارات الكوري الجنوبي يُعد الأكثر تضرراً من هذه الرسوم، حيث يتوقع البنك المركزي أن تنخفض صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة بنسبة 4% من حيث الحجم، وأن تتراجع الصادرات الإجمالية للقطاع بنسبة 0.6% سنوياً. كما يتوقع أن تتأثر صادرات الصلب والألمنيوم والرقائق الإلكترونية، ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الكوري المعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية.
رد فعل الأسواق: انتعاش مؤقت للأسهم وسط مخاوف مستمرة
عقب إعلان خفض الفائدة، شهدت سوق الأسهم الكورية انتعاشاً ملحوظاً، حيث ارتفع مؤشر كوسبي الرئيسي بنسبة 1.7%. ويعكس هذا الارتفاع ترحيب المستثمرين بالسياسة النقدية التيسيرية، رغم استمرار المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد في ظل التحديات الداخلية والخارجية.
آفاق السياسة النقدية: مزيد من التيسير مرهون بالتطورات
أشار محافظ بنك كوريا المركزي إلى أن وتيرة وتوقيت أي تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة ستعتمد على تطورات المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة، والتغيرات في السياسات النقدية العالمية، والمخاطر الجيوسياسية. وتوقع بعض المحللين أن يكون هناك مجال لمزيد من التخفيضات في حال استمرار ضعف الاقتصاد.
خلاصة
يمثل قرار بنك كوريا المركزي بخفض الفائدة إلى 2.5% استجابة مباشرة لمزيج معقد من الضغوط: تباطؤ اقتصادي حاد، أزمة سياسية داخلية، وتحديات تجارية خارجية تهدد القطاعات الحيوية. وبينما قد توفر هذه الخطوة بعض الدعم المؤقت للنمو، فإن مستقبل الاقتصاد الكوري سيظل رهناً بقدرة البلاد على تجاوز أزمتها السياسية والتوصل إلى تسوية تجارية مع الولايات المتحدة، فضلاً عن استعادة ثقة المستثمرين والمستهلكين.










