لطالما كانت الأرض السورية مهدًا لحضارات عظيمة تعاقبت عبر آلاف السنين، من الأراميين والآشوريين إلى الإغريق والرومان. ومع هذا الإرث التاريخي الضخم، تزايدت القصص والأساطير التي تتحدث عن كنوز مدفونة من الذهب والمعادن الثمينة في باطن الأرض. وبين الحقيقة والخيال، تحوّل هذا الإرث إلى ظاهرة منتشرة في عدد من المناطق السورية، حيث يغامر الكثيرون في البحث عن هذه الكنوز، مدفوعين بالأمل من جهة، والفراغ الأمني في بعض المناطق من جهة أخرى. فما أصل هذه الظاهرة؟ وهل فعلاً توجد كنوز مخفية تحت التراب السوري؟
الكنوز القديمة في سوريا.. إرث حضارات أم خيال شعبي؟
الحديث عن الكنوز المدفونة ليس جديدًا في المرويات الشعبية السورية، بل هو جزء من التراث الشفهي الذي تناقلته الأجيال. وتنتشر الحكايات التي تتحدث عن ملوك قدامى أو قوافل تجارية دفنت ثرواتها في مغارات أو تحت أنقاض المدن القديمة، خصوصًا في مناطق مثل تدمر، ودير الزور، وحلب القديمة، وريف دمشق، حيث تكثر الآثار التاريخية.
مناطق البحث الأكثر شهرة: من تدمر إلى ريف دمشق
هذه الأساطير لا تنحصر في سوريا فحسب، بل نجدها في معظم الدول التي شهدت حضارات قديمة، إلا أن ما يميز سوريا هو غنى أراضيها بالمواقع الأثرية غير المستكشفة، مما يزيد من احتمالية وجود مثل هذه الكنوز، على الأقل من وجهة نظر من يخوضون مغامرات البحث عنها.
تحوّل الأساطير إلى تجارة شبه سرّية
مع تراجع سيطرة الدولة على بعض المناطق نتيجة سنوات الحرب، برزت ظاهرة “صائدي الكنوز” الذين ينقبون بوسائل بدائية أو باستخدام أجهزة كشف المعادن، مستغلين غياب الرقابة الأمنية أو ضعفها. هذه الممارسات التي غالبًا ما تتم ليلاً، أدت إلى عمليات تخريب واسعة في مواقع أثرية ذات قيمة تاريخية لا تُقدّر بثمن.
وأفادت تقارير إعلامية أن عمليات التنقيب العشوائية أصبحت تجارة قائمة بحد ذاتها، حيث يباع ويشترى فيها “الوهم” من خلال بيع خرائط مزيفة أو أجهزة كشف معدنية بأسعار مرتفعة، مما يوقع الكثيرين ضحايا للاحتيال.

عوامل اقتصادية تغذي حلم “الكنز المنقذ”
لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السوريون. فالبحث عن الذهب لم يعد مجرد مغامرة أو هواية، بل بات بالنسبة للبعض وسيلة للهروب من الفقر. فرُبّ كنز مدفون قد يغيّر حياة شخص أو عائلة بالكامل. هذه النزعة تتغذى من قصص “الناجين” الذين يُشاع أنهم وجدوا قطعًا ذهبية أو عملات أثرية وبيعت بمبالغ طائلة، رغم غياب التوثيق أو الإثباتات الملموسة.
التنقيب العشوائي.. آثار مدمّرة وخسائر تراثية جسيمة
رغم المحاولات المتكررة لضبط الظاهرة، تبقى الإمكانات المحدودة للدولة السورية تحديًا كبيرًا في مواجهة هذا المد غير الرسمي من التنقيب العشوائي. ويُجرّم القانون السوري عمليات التنقيب غير المرخصة عن الآثار والكنوز، لما لها من آثار كارثية على الإرث الثقافي السوري. إلا أن التطبيق الفعلي يواجه صعوبات على الأرض، خصوصًا في المناطق الخارجة عن السيطرة الرسمية.
القانون السوري وموقف الدولة من البحث غير المشروع
المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، ومنظمات دولية معنية بحماية التراث، أطلقت حملات توعية متعددة، لكن دون نتائج ملموسة حتى الآن، في ظل الوضع الأمني المعقد، وضعف الإمكانيات المادية والبشرية.
الخبراء يحسمون الجدل: هل توجد كنوز فعلًا؟
يرى بعض علماء الآثار أن احتمال وجود كنوز غير مكتشفة في سوريا وارد، لكن اكتشافها يحتاج لعمل منظم وعلمي، وليس إلى حمل معول والتنقيب ليلاً. ويشيرون إلى أن معظم الكنوز الحقيقية قد اكتُشفت سابقًا أو دُمّرت خلال الحروب، وما تبقى يحتاج إلى تقنيات متطورة وبعثات أثرية محترفة.
وهم الذهب: سوق للأجهزة والخرائط المزيفة
وفي المقابل، يحذّر خبراء الاقتصاد من أن وهم الكنوز قد يتحول إلى وسيلة للاحتيال المنظم، يفرغ الجيوب بدلاً من أن يملأها، وهو ما يحدث بالفعل من خلال انتشار سوق ل





