بقلم: هدى أبوعمرة(*)
يُعد هذا العام الدراسي – بلا مبالغة – هو الأسوأ. لا أتحدث هنا عن القرارات غير المدروسة في كثير من الجوانب، والتي أضافت عبئًا على المدرس والطالب وولي الأمر، بل عن جيلٍ يبدو أنه فقد البوصلة الأخلاقية تمامًا.
في جميع المراحل الدراسية، تقريبًا، أصبح مصطلح “فرط الحركة” هو الشماعة التي يُعلَّق عليها كل خلل سلوكي أو أخلاقي. لم يعد هناك تمييز واضح بين الاضطراب السلوكي الحقيقي، وبين انعدام التربية والانضباط. نحن أمام أزمة ممتدة على كل المستويات، لا تستثني طبقة اجتماعية ولا نوع مدرسة.
مع تصاعد هذه الظاهرة، بدأت أصوات كثيرة تطالب بالعودة إلى “الطرق القديمة” في التربية، تلك التي تتسم بالحزم والانضباط، في مواجهة ما أفرزته التربية الحديثة من نتائج مخيبة لجيل لا يعرف معنى المسؤولية ولا يفهم الاحترام.
أي تربية نحتاجها الآن؟
التربية الحديثة تركز على احتياجات الفرد وتميّزه، وتشجع الطفل على التعبير عن ذاته وبناء شخصيته الخاصة. تستثمر التكنولوجيا كأداة تعليم وتواصل، وتُعلي من شأن المهارات الحياتية والاجتماعية كحل المشكلات والتواصل والعمل الجماعي.
في المقابل، ركّزت تربية آبائنا وأمهاتنا على الامتثال والانضباط. كان الاحترام للكبار أمرًا لا نقاش فيه، والتعليم يتمحور حول القيم الأساسية، والنتائج الأكاديمية كانت مؤشراً رئيسياً للنجاح. لم يكن غريبًا استخدام العقاب البدني أو التحذير كأسلوب تقويم، بل كان هو السائد والمقبول.
النتيجة؟ تغيرت المواقف تجاه التربية بشكل جذري. التكنولوجيا أعادت تشكيل طريقة تعلّم الأطفال وتواصلهم، وتحول دور الوالدين من مصدر سلطة إلى دور المرشد والداعم. لكن كثيرين اليوم يقفون في منتصف الطريق: تائهون بين نموذج لم يعد يُجدي، وآخر لم يُفلح في بناء جيل متماسك.
أين الحل؟
لم تعد التربية الحديثة قادرة وحدها على مواجهة التحديات الجديدة، ولم تعد التربية القديمة صالحة كما كانت في زمنها. ووسط فوضى تربوية يغذيها الإعلام ومواقع التواصل، حيث يُتاح لكل من يرغب أن ينظّر في التربية دون علم أو فهم، يقف الأهل حائرين أمام سؤال جوهري: كيف نربّي أبناءنا في هذا الزمن؟
الحل – في رأيي – هو أن نُمسك العصا من المنتصف. أن نربّي أبناءنا على الاحتواء، ونشعرهم بالأمان، لكن دون أن نتخلى عن الحزم. أن نعود لتعليمهم الأساسيات: الأدب، احترام الآخر، المسؤولية، الانضباط، ولكن بوسائل تواكب العصر وتفهم طبيعة هذا الجيل.
والأهم من كل ذلك، أن نزرع فيهم القيم الدينية والأخلاقية بالفعل لا بالقول. أن نكون قدوة في ما نقوله وما نفعله. أن نعيد المعنى الحقيقي للمسؤولية في التربية: لا هو بالخشونة المفرطة، ولا باللين المُفرِط، بل بتوازن يصنع إنسانًا سويًّا، يحترم نفسه ويعرف حدود غيره.
(*)عن الكاتبة:
هدى أبوعمرة كاتبة صحفية وشاعرة تجمع بين الحس الأدبي العميق والرؤية النقدية في تناول القضايا الاجتماعية والتربوية. تكتب مقالات جريئة تعكس اهتمامها بتحديات التربية الحديثة وتأثيرها على الأجيال الجديدة، مع تركيز خاص على أهمية التوازن بين الحزم والاحتواء. إلى جانب عملها الصحفي، تنشط هدى في المجال الاجتماعي من خلال مبادرات تهدف إلى تعزيز الوعي التربوي والأخلاقي، مما يجعلها صوتًا نسائيًا فاعلًا يدعو للحفاظ على القيم الأصيلة في مواجهة التغيرات المتسارعة.










