تحذيرات وتحركات وتصريحات: حرب إريتريا إثيوبيا تهدد القرن الأفريقي
تتصاعد حدة التوترات بين إثيوبيا وإريتريا مجدداً، مهددة بإعادة إشعال فتيل النزاع المسلح بين البلدين في منطقة القرن الأفريقي. وقد أصدر مسؤولون وخبراء إقليميون تحذيرات جدية من اقتراب حرب إريتريا إثيوبيا الشاملة، والتي قد تشكل كارثة إنسانية جديدة في منطقة تعاني أصلاً من عدم الاستقرار.
التحذيرات الأخيرة من اندلاع النزاع
شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التحذيرات من اندلاع حرب إريتريا إثيوبيا المحتملة. أشار نائب الرئيس في الإدارة الموقتة في منطقة تيغراي الإثيوبية، تسادكان جبريتينساي، في مقال نُشر في مجلة “أفريكا ريبورت” إلى أنه “قد تندلع، في أي لحظة، الحرب بين إثيوبيا وإريتريا”. هذا التحذير جاء في سياق الاشتباكات الجديدة التي اندلعت في إقليم تيغراي، حيث سيطر الفصيل المنشق على مدينة أديجرات الشمالية.
وقد عبر المبعوثان السابقان للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى المنطقة عن قلقهما من “احتمالات اندلاع حرب جديدة حقيقية”. وأشارا في مقال نُشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى أن “تدهور الوضع في تيغراي، سياسياً وأمنياً، بمنزلة فتيل جاف ينتظر عود ثقاب”.
حذر المحللون من أن “الاشتباكات المباشرة بين إثنين من أكبر الجيوش في أفريقيا من شأنها أن تشكل الضربة القاضية للتقارب التاريخي الذي فاز بسببه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام عام 2019”. كما أن اندلاع حرب إريتريا إثيوبيا من المرجح أن يؤدي إلى خلق أزمة أخرى في المنطقة.
التحركات العسكرية والاستعدادات للحرب
شهدت الحدود الإثيوبية-الإريترية تحركات عسكرية مكثفة خلال الأشهر الماضية، مما زاد من احتمالية اندلاع حرب إريتريا إثيوبيا. نشرت إثيوبيا قوات عند الحدود الإريترية، بينما أعلنت إريتريا التعبئة العسكرية العامة في فبراير 2025.
ذكرت مصادر إعلامية أن حكومتي إثيوبيا وإريتريا قد حركتا قواتهما في الحدود المشتركة بين البلدين. نشرت مواقع إخبارية إثيوبية مقاطع فيديو تظهر حشوداً عسكرية إثيوبية تتجه إلى المناطق الحدودية مع إريتريا، تشمل دبابات ومضادات طيران إضافة إلى عربات تحمل وحدات من الجيش الإثيوبي.
التعبئة الإريترية الشاملة
أفادت تقارير حديثة بأن النظام الإريتري بدأ في تنفيذ تعبئة عسكرية شاملة، حيث تم تجنيد المواطنين بشكل قسري مع فرض قيود صارمة على حرية التنقل. تشير مصادر إلى أن الحكومة الإريترية منعت مغادرة المواطنين دون سن الخمسين، في مؤشر واضح على الاستعداد لحرب محتملة.
التصريحات السياسية والمواقف الرسمية
على صعيد التصريحات الرسمية، حاول الجانبان تهدئة الأوضاع ظاهرياً مع الحفاظ على استعداداتهما العسكرية. قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن حكومته لن تسعى إلى الصراع مع إريتريا بشأن مسألة الوصول إلى البحر الأحمر.
من جهته، رفض وزير الخارجية الإريتري، عثمان صالح، الاتهامات التي أشارت إلى استعداد إريتريا لدخول صراع جديد مع إثيوبيا، مؤكداً أن وراء هذه الاتهامات أهدافاً سياسية ترمي إلى تحميل أسمرا مسؤولية الأزمات الداخلية الإثيوبية.
موقف الرئيس الإريتري
نفى الرئيس الإريتري أسياس أفورقي المزاعم التي تفيد بأن الاتفاق الثلاثي الأخير بين إريتريا والصومال ومصر يشكل “محوراً” ضد إثيوبيا. وأكد أن الاتفاق الثلاثي يركز على تعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر.
الخلفية التاريخية وجذور النزاع
تعود جذور التوتر بين إثيوبيا وإريتريا إلى عقود من النزاعات حول السيطرة على الأراضي، وذلك منذ ترسيم الحدود الاستعمارية التي وضعها الإيطاليون والبريطانيون. في عام 1950، دمجت الأمم المتحدة إريتريا مع إثيوبيا في إطار اتحاد فدرالي، لكن إثيوبيا بدأت تدريجياً في تقويض هذا الوضع.
شهدت العلاقات بين البلدين تقارباً تاريخياً عندما تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء في إثيوبيا عام 2018، والذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2019 لجهوده في حل النزاع الحدودي مع إريتريا. خلال هذا التقارب، دعمت إريتريا قوات الحكومة الاتحادية في إثيوبيا أثناء حرب أهلية بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة المركزية بين عامي 2020 و2022.
لكن الخلافات بين الجارتين عادت مرة أخرى بعد استبعاد إريتريا من محادثات لإنهاء تلك الحرب في نوفمبر 2022. اعتبرت أسمرا اتفاقية السلام في بريتوريا طعنة في ظهرها، من قبل حليف الأمس في الحرب على جبهة تحرير تيغراي.
التحالفات الإقليمية والتداعيات الدولية
تؤثر التحالفات الإقليمية الجديدة على احتمالية اندلاع حرب إريتريا إثيوبيا. دخلت إريتريا في اتفاقية أمنية مع كل من مصر والصومال، في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تهدف إلى مواجهة طموحات إثيوبيا الإقليمية.
من جهة أخرى، ظهرت بوادر دعم إثيوبي لحركات المعارضة الإريترية، إذ أعلنت حركة الثورة الزرقاء عن تشكيل جناح مسلح مدعوم من إثيوبيا، عقب مؤتمر عقد في أديس أبابا أواخر يناير 2025.
الموقف الأمريكي
على الصعيد الدولي، عبرت الولايات المتحدة عن مخاوفها من تصاعد التوتر في المنطقة. قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة تؤكد أنه “لا حل عسكرياً للصراع” في إثيوبيا، واصفاً الدور الإريتري في الأزمة الإنسانية بأنه “كان سلبياً منذ البداية”.
الأزمة الإنسانية والمخاوف من كارثة جديدة
تثير احتمالية اندلاع حرب إريتريا إثيوبيا مخاوف جدية من وقوع كارثة إنسانية أخرى في منطقة القرن الأفريقي. أسفر الصراع السابق في تيغراي عن خسائر بشرية فادحة، حيث تشير تقديرات موثوقة إلى مقتل أكثر من 600 ألف شخص.
يهدد التصعيد الحالي بإعادة إشعال كارثة إنسانية مماثلة، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى تدخل دبلوماسي واهتمام دولي لمنع تفاقم الوضع. قتل آلاف وشُرد ملايين منذ اندلاع الحرب في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا، ولا يزال كثيرون آخرون في أمس الحاجة إلى الغذاء.
مع تعاظم التوترات وتزايد التحركات العسكرية، تواجه المنطقة خطر تفاقم الأزمة الإنسانية الموجودة أصلاً بسبب الصراعات الداخلية في السودان والصومال وإثيوبيا. أي حرب بين البلدين ستزيد من الأزمات الإنسانية في المنطقة.










