في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أثارت تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط موجة غضب واسعة، بعد وصفه قطع العلاقات مع إسرائيل بأنه “ليس بالسياسة الحكيمة”.
هذا التصريح الصادم دفع الكثيرين للتساؤل: هل أصبح أحمد أبو الغيط يبرر العلاقات مع إسرائيل رغم جرائم غزة؟ وهل بات ناطقًا غير رسمي باسم تل أبيب في الأروقة الدبلوماسية العربية؟
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، دأبت شخصيات رسمية ودول عربية على إصدار إدانات لفظية، لكن تصريحات أبو الغيط جاءت مختلفة.
فقد قال صراحة إن القطيعة مع إسرائيل لن تفيد، واصفًا إياها بأنها “غير واقعية” و”تضر بالمصالح العربية”، في موقف بدا وكأنه دفاع مباشر عن بقاء العلاقات مع دولة ترتكب، بحسب تقارير حقوقية، جرائم حرب وإبادة في غزة.
تصريحات كهذه أثارت العاصفة، خصوصًا أن أبو الغيط يغرد خارج الإجماع العربي في هذه اللحظة الحرجة، حيث تطالب الشعوب العربية بخطوات فعلية لدعم الفلسطينيين، وليس الاكتفاء بالتصريحات الدبلوماسية الباهتة.
الغضب الشعبي من مواقف أبو الغيط ليس وليد اليوم. فقد سبق له خلال توليه وزارة الخارجية المصرية أن أطلق تصريحات وُصفت بالمعادية للفلسطينيين، كان أبرزها تهديده الشهير بـ”كسر قدم” كل من يحاول عبور معبر رفح من غزة دون تنسيق مع القاهرة.
كما أنه ظهر في عام 2008 بجانب وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني خلال مؤتمر صحفي في القاهرة، أطلقت فيه ليفني تهديداتها المباشرة ضد غزة، قائلة إن العدوان قادم، دون أن يسجل عليه أي اعتراض يذكر، ما فُسر حينها على أنه تواطؤ صامت مع التصعيد الإسرائيلي.
اللافت أن تصريحات أبو الغيط تتزامن مع تحركات أوروبية جادة لمحاسبة إسرائيل. فإسبانيا، على سبيل المثال، تمضي في اتجاه فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل بسبب العدوان الوحشي على غزة، وتصف ما يجري بأنه “حرب إبادة جماعية”، بينما يرفض أمين عام جامعة الدول العربية مجرد التفكير في خطوات دبلوماسية ضاغطة كقطع العلاقات أو طرد السفراء، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الدور العربي الرسمي، وما إذا كان بعضه بات أقرب إلى تبني خطاب التطبيع بدلًا من دعم مقاومة الاحتلال.
من تهديد الفلسطينيين بكسر الأرجل إلى رفض قطع العلاقات مع إسرائيل في عز المجازر، يجد أبو الغيط نفسه مجددًا في مرمى الغضب الشعبي والإعلامي، إذ يرى كثيرون أن مثل هذه التصريحات تعكس موقفًا متراخيًا لا يرقى إلى مستوى المرحلة، ولا يعكس تطلعات الشارع العربي الذي يطالب بوقف التطبيع ومحاسبة الاحتلال.
هذا التناقض الصارخ بين الواقع الميداني في غزة والمواقف الرسمية لبعض القيادات العربية يدفع مراقبين إلى طرح تساؤلات جادة حول دور جامعة الدول العربية وجدواها في الدفاع عن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يرى المحلل السياسي الفلسطيني ياسر العلي أن “تصريحات أحمد أبو الغيط لم تعد تمثل الشعوب العربية، بل تعكس انحيازًا واضحًا إلى معسكر التطبيع الذي فقد أي رصيد أخلاقي أمام المجازر اليومية في غزة”.
ويضيف العلي: “حين تبرر قتل الأطفال في غزة بحجج المصالح السياسية، فأنت تتنازل عن أبسط المبادئ الإنسانية، وليس فقط القومية”.
من جهتها، قالت الناشطة المصرية إيمان عبد السلام إن “تصريحات أبو الغيط لا تُمثل المصريين، ولا تعبر عن ضمير الشعوب التي ترى في غزة مرآة لكرامتها وقيمها”.
في السياق نفسه، كتب الصحفي اللبناني سامي كرم على منصة إكس (تويتر سابقًا): “حين تصمت جامعة الدول العربية أو تكتفي بالإدانة، لا يلومنا أحد إذا اعتبرناها مؤسسة خالية من الفعل… وحين يتحدث أمينها العام وكأنه مستشار للعلاقات العامة الإسرائيلية، فهنا يجب أن يُطرح السؤال: من يُحاسب من؟”.
في وقت تتحرك فيه دول مثل إسبانيا، وبلجيكا، وتشيلي لفرض عقوبات أو مقاطعة إسرائيل دبلوماسيًا، تتوارى الجامعة العربية خلف لغتها الرمادية ومواقفها التي لم تعد تُقنع أحدًا، ما يجعل الكثيرين يتساءلون: إذا لم يكن هذا هو الوقت المناسب للمقاطعة، فمتى إذًا؟ وهل تُقاس “الحكمة السياسية” اليوم بعدد الضحايا أم بعدد السفارات المفتوحة؟










