في تكرار سنوي بات مألوفًا ومثيرًا للغضب الشعبي، اجتاحت عاصفة قوية مدينة الإسكندرية، فغرقت شوارعها، وتعطلت مرافقها، وانهارت القدرة على الحركة فيها، وكشفت الأمطار الغزيرة عن هشاشة البنية التحتية وعجز الحكومة عن التعامل مع أبسط موجات الطقس السيئ رغم التحذيرات المسبقة من هيئة الأرصاد الجوية.

المدينة العريقة، التي لطالما كانت فخرًا للمتوسط، تحوّلت إلى مشهد كئيب من البرك والمستنقعات والمركبات الغارقة. تعثرت حركة المرور، وتعطلت المدارس، وعانى الأهالي من دخول المياه إلى منازلهم ومحالهم، وسط غياب شبه تام للتدخل الفوري الفعّال من أجهزة الدولة.
المثير للدهشة والغضب أن الحكومة المصرية لم تُفعل خطة طوارئ حقيقية لمواجهة الأمطار، على الرغم من توافر تحذيرات رسمية مسبقة.

غابت التنسيقات بين الأجهزة المحلية والمحافظة، وخرجت تصريحات رسمية اعتبرها المواطنون تهربًا من المسؤولية بدلاً من الاعتراف بالفشل واتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمة.
لم تشهد الإسكندرية تطويرًا حقيقيًا لشبكات الصرف منذ عقود، وتُركت المدينة في مهب عواصف الشتاء كل عام، بينما تُوجه ميزانيات ضخمة إلى مشروعات قومية لا يشعر المواطن بثمارها المباشرة.

غابت فرق الإنقاذ، وشاحنات شفط المياه، وغابت الشفافية والمحاسبة أيضًا، إذ لم يُعفَ أي مسؤول من موقعه، ولم تُحاسب أي جهة على هذا الإهمال.
في هذا السياق، يربط مراقبون بين ما حدث في الإسكندرية وبين الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعصف بالبلاد، حيث تعاني الدولة من أزمة ديون متفاقمة وتضخم مفرط جعلها غير قادرة على الاستثمار في البنية الأساسية أو حتى مواجهة تقلبات الطقس الموسمية.

ارتفاع الأسعار، وانخفاض الجنيه أمام الدولار، وضغط صندوق النقد الدولي، كلها عناصر ساهمت في تقليص قدرة الدولة على إدارة الأزمات وتلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
النتيجة كانت كارثية. المشهد لم يكن فقط عن مدينة تغرق، بل عن دولة تفشل في اختبار بسيط. إذ لم تُدر العاصفة فقط معركة مع الطقس، بل مع فساد إداري، وتخطيط غائب، وغياب إرادة سياسية جادة لإنقاذ المدن العريقة من المصير ذاته كل شتاء.











