أصدر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، اليوم، مرسوماً يقضي بتعيين عبد الرحيم عطون، المعروف بلقب أبو عبد الله الشامي، رئيساً للمكتب الاستشاري للشؤون الدينية لدى رئاسة الجمهورية، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والدينية داخل سوريا وخارجها.
ويُعد عطون أحد أبرز الشخصيات السابقة في تنظيم هيئة تحرير الشام، إذ شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للإفتاء وعضو مجلس الشورى في الهيئة، ويُنظر إليه كواحد من “مهندسي التحول البراغماتي” للجماعة من تنظيم جهادي إلى كيان محلي أكثر انفتاحاً.
من الجهادية إلى العمل المؤسسي
قرار التعيين يأتي بعد أشهر من الجدل الذي أثاره تعيين عطون عضواً في المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا في مارس/آذار الماضي، وذلك ضمن سلسلة خطوات تهدف إلى إعادة هيكلة المؤسسات الدينية في الدولة السورية الجديدة التي تشكّلت بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
ويُعتبر تعيين عطون تتويجاً لمسار تحولي بدأ في عام 2021، عندما ظهر علنًا خلال ندوة فكرية بلباس مدني، خالياً من زيه “الجهادي” المعتاد، بلحية خفيفة ومهذبة، حاسر الرأس، مرتدياً قميصًا وبنطالًا، في مشهد عُدّ مؤشرًا قويًا على تحولات فكرية وشكلية عميقة.
هيئة تحرير الشام.. من الجهادية إلى “المسار الثالث”
خلال السنوات الأخيرة، سعى عطون، إلى جانب أحمد الشرع (المعروف سابقًا بـ”أبو محمد الجولاني”)، إلى تقديم رؤية جديدة لما سمّوه بـ”المسار الثالث”، وهو نمط من الجهادية المحلية المعتدلة التي تهدف إلى فك الارتباط بالتنظيمات المتطرفة كداعش والقاعدة، والبحث عن شرعية سياسية محلية ودولية.
وفي مقابلة مع صحيفة Le Temps السويسرية عام 2021، أكد عطون أن هيئة تحرير الشام “لا تشكّل تهديدًا للغرب”، في محاولة واضحة لإعادة ترويج صورة الجماعة على المستوى الدولي.
الجدل المتجدد حول التعيين
ردود الفعل على تعيين عطون في موقع رسمي رفيع جاءت متباينة. ففي حين اعتبرته بعض التيارات الدينية والمجتمعية خطوة جريئة نحو استيعاب الطيف الإسلامي داخل مؤسسات الدولة الجديدة، أعرب آخرون عن مخاوف من اختراق الفكر الجهادي للمؤسسات الرسمية، وإن بدا متخفياً بثوب جديد.
في المقابل، شنت التيارات السلفية الجهادية التقليدية حملة هجومية على عطون، متهمة إياه بـ”الانحراف عن الطريق الجهادي”، والتقارب مع “أنظمة علمانية”، بل و”التمسح بالتجارب الناجحة دون الالتزام بجوهر الفكر الجهادي”، وفق ما نُشر في بعض البيانات الصادرة عن خصوم تحرير الشام.
بين الرمزية والمخاوف
في سياق إعادة بناء الدولة السورية بعد الحرب، يمثل هذا التعيين رسالة مزدوجة: من جهة، تأكيد على دمج التيارات الإسلامية المعتدلة في بنية الدولة، ومن جهة أخرى محاولة استيعاب قيادات ذات تاريخ جدلي في إطار مؤسسي يحدّ من تطرفها.
ومع استمرار إعادة تشكيل المشهد السياسي والديني في سوريا، يُنتظر أن يُظهر أداء عطون في موقعه الجديد مدى تحوله الحقيقي عن فكر الجهادية العالمية، وقدرته على لعب دور فعّال في توجيه المؤسسة الدينية نحو الاعتدال والانفتاح دون فقدان المصداقية أمام جمهور واسع ظلّ يومًا ما يؤمن بخطابه السابق.