البنك المركزي المصري يطرح أذون خزانة دولارية بقيمة 450 مليون دولار: قراءة في الاعتماد المتزايد على أدوات الدين ومخاطره.
أعلن البنك المركزي المصري أنه سيطرح غداً الاثنين 2 يونيو أذون خزانة دولارية لأجل عام بقيمة 450 مليون دولار، لتحل محل أذون أخرى مستحقة بقيمة 500.6 مليون دولار، بمتوسط عائد بلغ 5.149%. تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الطروحات المتكررة التي تعتمد عليها الحكومة المصرية لتوفير السيولة اللازمة لسد عجز الموازنة، في ظل استمرار الفجوة بين الإيرادات والمصروفات الحكومية.
خلفية: تصاعد الاعتماد على أدوات الدين
تعتمد الحكومة المصرية بشكل متزايد على أدوات الدين، مثل أذون وسندات الخزانة، لتغطية احتياجاتها التمويلية. فقد أعلنت وزارة المالية خطتها لاقتراض نحو 2.2 تريليون جنيه من البنوك والمستثمرين خلال الربع الأخير من العام المالي 2024-2025، عبر طرح أذون وسندات خزانة محلية، وذلك بهدف تغطية عجز الموازنة. وبلغت قيمة أذون الخزانة قصيرة الأجل المستهدفة نحو 1.905 تريليون جنيه، أي ما يعادل 88% من إجمالي أدوات الدين المطروحة في تلك الفترة.
وفي العام المالي المقبل، تخطط الحكومة لاقتراض نحو 3.6 تريليون جنيه عبر بيع أدوات دين في السوقين المحلي والدولي، في وقت يُقدّر فيه عجز الموازنة بنحو 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
دوافع الاعتماد على أدوات الدين
تلجأ الحكومات، بما فيها مصر، إلى الاقتراض عبر أدوات الدين لتغطية العجز المالي، خاصة عندما لا تكفي الإيرادات لتغطية المصروفات، أو لتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية. ويُعتبر إصدار أذون وسندات الخزانة وسيلة سريعة لجمع السيولة دون الحاجة لرفع الضرائب أو تقليص الإنفاق العام، وهي قرارات غالباً ما تكون لها تبعات سياسية واجتماعية.
مخاطر الإفراط في الاعتماد على أدوات الدين
رغم أن الاقتراض عبر أدوات الدين يُعد حلاً قصير الأجل لتوفير السيولة، إلا أن الإفراط فيه يحمل عدة مخاطر اقتصادية واجتماعية، من أبرزها:
ارتفاع تكلفة خدمة الدين: كلما زاد حجم الدين العام، ارتفعت أعباء سداد الفوائد والأقساط المستحقة، ما يضغط على الموازنة ويقلل من الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
مخاطر إعادة التمويل: الاعتماد المتكرر على تجديد أو استبدال أدوات الدين المستحقة (كما حدث في الطرح الحالي) يرفع من مخاطر عدم القدرة على السداد في حال تراجع ثقة المستثمرين أو ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً.
مزاحمة القطاع الخاص: ارتفاع العائد على أدوات الدين الحكومية يدفع البنوك لتفضيل الاستثمار فيها على حساب تمويل القطاع الخاص، ما قد يعيق نمو المشروعات الخاصة ويؤثر سلباً على خلق فرص العمل.
تأثر التصنيف الائتماني: الإفراط في الاستدانة، خاصة بالعملات الأجنبية، قد يؤدي إلى تراجع التصنيف الائتماني للدولة، ما يرفع تكلفة الاقتراض مستقبلاً ويحد من قدرة الحكومة على الحصول على تمويل بشروط ميسرة.
مخاطر سعر الصرف: إصدار أدوات دين دولارية يزيد من حساسية الاقتصاد لتقلبات أسعار الصرف، حيث يتعين على الحكومة توفير العملة الأجنبية لسداد الاستحقاقات، ما قد يضغط على الاحتياطي النقدي ويؤدي إلى تذبذب سعر الجنيه.
جهود حكومية لتقليل المخاطر
تحاول الحكومة المصرية تنويع قاعدة المستثمرين في أدوات الدين، وتطوير السوق الثانوية للأوراق المالية الحكومية، بهدف تعزيز السيولة وتخفيض تكلفة خدمة الدين، وتقليل مخاطر إعادة التمويل. كما يجري العمل على تحسين الشفافية ونشر تقارير دورية عن أداء المتعاملين الرئيسيين في سوق أدوات الدين.
خلاصة
يمثل طرح أذون الخزانة الدولارية الجديد استمراراً لنهج الحكومة المصرية في الاعتماد على أدوات الدين لسد العجز المالي. ورغم أن هذه الأدوات توفر سيولة سريعة وتدعم استقرار المالية العامة على المدى القصير، فإن الإفراط في استخدامها يحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويستدعي انتهاج سياسات متوازنة لإدارة الدين العام، مع العمل على زيادة الإيرادات وتنويع مصادر التمويل.











