التضخم في مصر يقفز إلى 16.8% في مايو… موجة غلاء متجددة وتاريخ من الضغوط على الجنيه والأسعار
سجّل معدل التضخم السنوي في المدن المصرية ارتفاعاً جديداً ليصل إلى 16.8% في مايو 2025، مقارنة بـ13.9% في أبريل، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهي الزيادة الأقوى منذ بداية العام الجاري، مدفوعة بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتكاليف النقل. يأتي هذا التسارع في ظل استمرار الضغوط على الجنيه المصري وتداعيات إصلاحات اقتصادية متواصلة منذ أكثر من عقد.
خلفية تاريخية: التضخم والجنيه منذ 2013
شهد الاقتصاد المصري منذ عام 2013 سلسلة من التحديات العميقة، كان أبرزها تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم بوتيرة حادة. في منتصف 2013، كان سعر الدولار يدور حول 6.9 جنيهات، بينما تراوحت معدلات التضخم بين 9% و11%.
مع بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016، تم تعويم الجنيه المصري، ليفقد أكثر من نصف قيمته دفعة واحدة، وقفز الدولار إلى 18 جنيهاً، ثم إلى 19 جنيهاً بنهاية 2016. أدى ذلك إلى موجة تضخمية غير مسبوقة، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 23.3% في ديسمبر 2016، ثم بلغ ذروته عند 33% في يوليو 2017، وهو أعلى مستوى منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
رغم محاولات السيطرة عبر أدوات السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة، ظل التضخم مرتفعاً حتى نهاية 2017 (21.9%)، ثم بدأ في التراجع تدريجياً ليصل إلى 9.2% في 2019. لكن السنوات التالية شهدت تقلبات جديدة بسبب الأزمات العالمية (جائحة كورونا، الحرب الأوكرانية، اضطرابات قناة السويس)، والتي تسببت في ضغوط إضافية على العملة والأسعار.
تحليل أسباب موجة الغلاء الأخيرة
تراجع الجنيه: منذ 2022، تراجع الجنيه المصري بوتيرة متسارعة، ليصل في مارس 2024 إلى نحو 49.5 جنيهاً للدولار في السوق الرسمية، مع توقعات بالوصول إلى 54 جنيهاً خلال 2025. هذا الانخفاض الحاد رفع تكلفة الاستيراد، خاصة للسلع الغذائية والطاقة، ما انعكس مباشرة على أسعار المستهلكين.
زيادة أسعار الوقود: رفعت الحكومة أسعار المنتجات البترولية بنحو 15% منتصف أبريل 2025، ضمن التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي بتحرير أسعار الوقود بالكامل قبل نهاية العام، ما ضاعف تكاليف النقل والإنتاج، وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
الأزمات العالمية: تصاعدت أسعار السلع الأساسية عالمياً بفعل الحرب في أوكرانيا والصراع في غزة، ما زاد فاتورة الاستيراد على الاقتصاد المصري المعتمد بشكل كبير على الخارج في الغذاء والطاقة.
الديون وتكلفة التمويل: أدت برامج الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومصادر أخرى إلى تضخم الدين العام وزيادة مدفوعات الفائدة، ما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية مثل خفض الدعم وزيادة الأسعار.
تداعيات التضخم على المعيشة والاقتصاد
تآكل القوة الشرائية: ارتفاع الأسعار طال جميع القطاعات الحيوية، من الغذاء إلى النقل والكهرباء والرعاية الصحية، ما زاد الأعباء على الأسر، خاصة الفقيرة والمتوسطة.
تذبذب السياسات النقدية: رغم اتجاه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة مؤخراً بعد تراجع التضخم من ذروته (38% في سبتمبر 2023)، إلا أن موجة الغلاء الجديدة قد تدفعه لإعادة النظر في السياسة النقدية.
انتقادات شعبية: واجهت الحكومة انتقادات واسعة بسبب الاعتماد على الاقتراض ورفع الدعم، وسط مطالبات بمزيد من الحماية الاجتماعية وضبط الأسواق.
أرقام ومحطات رئيسية منذ 2013
السنة التضخم السنوي (%) سعر الدولار (جنيه) أبرز الأحداث
2013 9.5 6.9 بداية الضغوط على الجنيه
2016 (نوفمبر) 23.3 18 تعويم الجنيه
2017 (يوليو) 33 17-18 ذروة التضخم بعد التعويم
2019 9.2 16 تراجع التضخم بعد التشديد النقدي
2022 21.6 18.9-31 أزمات عالمية وحرب أوكرانيا
2023 (سبتمبر) 38 30.7-49.5 ذروة جديدة للتضخم
2025 (مايو) 16.8 49.5-50.5 موجة غلاء جديدة
خلاصة وتوقعات مستقبلية
تشير التوقعات إلى استمرار الضغوط التضخمية خلال 2025، خاصة مع استمرار تراجع الجنيه وزيادات مرتقبة في أسعار الطاقة، رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي احتواء الأزمة عبر سياسات نقدية ومالية مشددة. يظل التحدي الأكبر أمام صانع القرار هو تحقيق التوازن بين استقرار الأسعار، حماية الفئات الأكثر تضرراً، والحفاظ على جاذبية الاقتصاد للاستثمار الأجنبي في ظل بيئة دولية شديدة التقلب.
“كل زيادة بنسبة 10% في أسعار الوقود ترفع معدل التضخم بنحو 0.4% بشكل مباشر، مع تأثيرات غير مباشرة أكبر بكثير على أسعار بقية السلع والخدمات.










