يجري مجلس أخلاقيات صندوق الثروة السيادي النرويجي، الذي تُقدّر أصوله بنحو 1.9 تريليون دولار، تحقيقاً موسعاً في ممارسات بعض البنوك الإسرائيلية المتعلقة بالاكتتاب في التزامات تمويل بناء وحدات سكنية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. وتأتي هذه المراجعة في ظل تصاعد القلق الدولي من أنشطة الاستيطان، وقد تفضي إلى سحب استثمارات تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية، وهي: بنك هبوعليم، بنك لئومي، بنك ديسكونت إسرائيل، بنك مزراحي طفحوت، والبنك الدولي الأول لإسرائيل.
هذا التحقيق ليس الأول من نوعه، إذ سبق للصندوق أن سحب استثماراته من شركات إسرائيلية أخرى بسبب أنشطتها في الأراضي المحتلة. ويشدد مجلس الأخلاقيات على التزامه بالمبادئ التوجيهية الأخلاقية التي وضعها البرلمان النرويجي، والتي تمنع الاستثمار في شركات يُعتقد أنها تخرق القانون الدولي أو تسهم في انتهاكات حقوق الإنسان.
خسائر الاقتصاد الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023: أزمة تتعمق
تأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من خسائر فادحة منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. فقد قدرت وزارة المالية الإسرائيلية الخسائر المباشرة حتى يناير 2025 بنحو 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار)، مع توسع عجز الميزانية إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، مقارنة بـ4.2% في 2023. وتشير تقديرات أخرى إلى أن التكلفة الإجمالية للحرب قد تتجاوز 73 مليار دولار حتى مارس 2024، مع عجز تراكمي في الميزانية بلغ 117.3 مليار شيكل (31.7 مليار دولار)، وهو الأعلى في تاريخ إسرائيل.
القطاعات الأكثر تضرراً شملت البناء والعقارات، الصناعة، الزراعة، والسياحة، حيث انخفضت السياحة الوافدة بأكثر من 70% خلال عام واحد. كما شهد قطاع البناء شللاً شبه تام بسبب نقص العمالة بعد منع دخول العمال الفلسطينيين واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، ما أدى إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 20% في الربع الأخير من 2023، وانخفاض الاستهلاك الخاص بنسبة 27%، والاستثمار التجاري بنسبة 67.8%.
تداعيات قرارات المستثمرين الدوليين
يُعد قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي بمراجعة استثماراته في البنوك الإسرائيلية مؤشراً على تصاعد الضغوط الدولية على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في ظل تزايد الدعوات لمقاطعة الشركات المتورطة في دعم الاستيطان أو العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية. وإذا قرر الصندوق سحب استثماراته البالغة 500 مليون دولار، فقد يشكل ذلك سابقة تدفع صناديق استثمارية أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، ما يعمق أزمة الثقة في الأسواق الإسرائيلية ويزيد من نزيف رؤوس الأموال الأجنبية.
مستقبل غامض للاقتصاد الإسرائيلي
تتفق معظم التقارير الاقتصادية على أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه مفترق طرق خطير، مع استمرار الحرب وتوسع نطاقها، وتزايد الضغوط الدولية، وتراجع ثقة المستثمرين. ويُتوقع أن تتفاقم الخسائر إذا استمرت الحرب أو تصاعدت المقاطعة الدولية، ما قد يهدد استقرار الاقتصاد الإسرائيلي على المدى المتوسط والبعيد.
بعد توسع نطاق الحرب، ووفقاً لتقدير تقريبي، قد ترتفع الفاتورة إلى 350 مليار شيكل (93 مليار دولار) إذا استمرت الحرب حتى عام 2025. هذا يعادل نحو سدس الدخل القومي السنوي لإسرائيل.
— تقرير BBC
في ظل هذه المعطيات، يمثل تحقيق صندوق الثروة السيادي النرويجي حلقة جديدة في سلسلة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، ويكشف عن هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي أمام التحولات الجيوسياسية والمواقف الأخلاقية للمستثمرين الدوليين.





