يشهد الملف السوري تصاعدًا جديدًا في التوترات بين رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس المخلوع بشار الأسد، والحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
وتشمل هذه التوترات اتهامات متبادلة تتراوح بين ادعاءات الاضطهاد من جانب مخلوف ومساعي الحكومة الجديدة لمصادرة أمواله وممتلكاته، في ظل جهود لبناء نظام سياسي واقتصادي جديد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
خلفية رجل الأعمال المثير للجدل
يُعتبر رامي مخلوف من أبرز الشخصيات الاقتصادية في سوريا خلال عهد النظام السابق، حيث وُلد في 10 يوليو 1969 وهو ابن خال الرئيس السابق بشار الأسد.
وارتبط صعود مخلوف الاقتصادي بصلة القرابة مع عائلة الأسد، إذ تزوجت عمته أنيسة مخلوف من حافظ الأسد عام 1957، مما منحه نفوذًا واسعًا في الدوائر السياسية والاقتصادية.
. بنى مخلوف إمبراطورية اقتصادية ضخمة شملت قطاعات متنوعة كالاتصالات والنفط والغاز والتشييد والخدمات المصرفية وشركات الطيران، وكان المالك الرئيسي لشبكة الهاتف المحمول “سيريتل”.
وفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز، كان لدى مخلوف العديد من المصالح التجارية الواسعة، وقُدرت ثروته الشخصية في عام 2008 بنحو 6 مليارات دولار أمريكي.
وقد أشار محللون سوريون إلى أنه لم يكن بإمكان أي شخص سوري أو أجنبي أو حتى الشركات العربية والأجنبية القيام بأعمال تجارية في سوريا دون موافقته ومشاركته، هذا النفوذ الاقتصادي الهائل جعله أحد أهم الدعائم المالية لنظام الأسد، خاصة خلال سنوات الحرب الأهلية السورية.
تشكيل الحكومة الانتقالية وتصاعد التوترات
شهدت سوريا تحولًا جذريًا في 8 ديسمبر 2024 مع سقوط نظام بشار الأسد، حيث تولى أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية.
وفي 29 مارس 2025، أعلن الشرع تشكيل الحكومة الانتقالية السورية الثانية، والتي ضمت 23 وزيرًا بينهم وزيرة واحدة فقط هي هند قبوات، و يتضمن التشكيل الجديد شخصيات مقربة من الشرع في المناصب الأساسية، مثل تعيين أنس خطاب وزيرًا للداخلية، والذي كان رئيس المخابرات العامة سابقًا.
المفاوضات الفاشلة ومحاولات التسوية
كشف مخلوف مؤخرًا عن إجراء مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة عبر ما وصفه بـ”الوسيط التركي” لإجراء تسوية حول شركاته المحجوز عليها في سوريا.
ووصف مخلوف شروط التسوية بأنها “قاسية ومجحفة” بسبب طلب الحكومة السورية نصف أعماله، إضافة إلى مبالغ بمئات المليارات من الليرات السورية.
وأضاف أنه بعد مفاوضات طويلة، وافق على التسوية بشرط أن تكون “طوق النجاة لأهلنا في الساحل”.
رغم هذه المحاولات، اتهم مخلوف “شخصيات نافذة” في السلطة الجديدة بإفشال الصفقة، مدعيًا أن الحكومة بدأت بعد فشل المفاوضات في “فبركة اتهامات” ضده وضد الجمعيات الخيرية التي كان يديرها، هذا الفشل في التوصل إلى تسوية فتح الباب أمام تصاعد التوترات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، مما عقد المشهد السياسي في المرحلة الانتقالية.
الاتهامات المتبادلة والصراع الإعلامي
أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا مصورًا تضمن اتهامات لجمعية البستان التي كان يرأسها مخلوف، بارتكاب مجازر والانخراط في أنشطة نظام الأسد العسكرية تحت واجهة العمل الإنساني.
وتضمن التسجيل شهادات لأشخاص مرتبطين بالجمعية أشاروا إلى تحويلها لواجهة لتمويل وتشكيل مليشيات مسلحة شاركت في ارتكاب جرائم واسعة، بما في ذلك عمليات خطف وابتزاز واغتيال.
من جهته، رد مخلوف بهجوم حاد على وزير الداخلية أنس خطاب، متهمًا إياه بارتكاب مجازر في الساحل السوري وزاعمًا أن “عدد القتلى يقترب من 15 ألف شخص”.
كما وجه انتقادات لاذعة لبشار الأسد والفرقة الرابعة، محملاً إياهم مسؤولية الاضطرابات الأمنية الأخيرة في محافظتي طرطوس واللاذقية.
وقال مخلوف في بيان عبر صفحته في فيسبوك إن هناك “مشاهد مرعبة ومجازر مروعة وذلٌّ ممنهج” مشيرًا إلى ارتفاع عدد القتلى إلى حوالي 6000 شهيد وأكثر من 13000 جريح.
التهديدات العسكرية والتصعيد الأمني
في تطور خطير، أعلن مخلوف عن تشكيل ما أسماه “15 فرقة عسكرية” يبلغ عدد مقاتليها نحو 150 ألف مقاتل من “جيش النخبة”، بالإضافة إلى قوة عسكرية احتياطية بنفس العدد.
وهدد بشكل غير مباشر أحمد الشرع قائلاً إنه عمل مع “القائد النمر” – في إشارة إلى العميد سهيل الحسن – على حشد مقاتلين من النخبة خلال أسابيع عدة، كما ادعى إعداد “لجان شعبية يصل عدد أفرادها إلى مليون فرد، جاهزين جميعهم لتلبية نداء الحق”.
هذه التهديدات تأتي في سياق تنبؤات مخلوف بـ”تغييرات كبرى” مشيرًا إلى أن “شهر يونيو المقبل سوف يشهد بداية تغييرات كبرى، سوف تكتمل في شهر يوليو، وتنتهي بالإطاحة بالحكم الحالي في دمشق، وعودة شخصية خيرة من النظام السابق”، هذه التصريحات تعكس محاولة مخلوف لممارسة ضغوط على الحكومة الجديدة من خلال التلويح بالقوة العسكرية والتهديد بزعزعة الاستقرار.
مصادرة الأموال
في المقابل، أعلن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال السورية، باسل عبد الحنان، عن تشكيل لجنة مختصة لإحصاء الشركات والمصالح الاقتصادية المرتبطة بمسؤولين في النظام السابق، بهدف مصادرة الأموال العامة التي تم الاستيلاء عليها.
وأشار عبد الحنان إلى أن الحكومة ستعمل على إحصاء الشركات والعقارات التي كان يستولي عليها رامي مخلوف، مؤكدًا أن قرارات البت بشأنها ستصدر قريبًا.
كما شهدت الفترة الأخيرة اعتقال عدد من الأشخاص المقربين من مخلوف، بينهم آصف رفعت سالم، المتهم بالمشاركة في تصنيع البراميل المتفجرة التي استخدمها النظام السابق ضد المناطق السكنية.
هذه الإجراءات تأتي ضمن حملة أمنية واسعة تقوم بها السلطات السورية الجديدة لملاحقة المتورطين في جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011.










