تشهد سوريا تحولاً جذرياً في سياسات الجنسية تحت قيادة أحمد الشرع، حيث تتجه السلطات الجديدة إلى إلغاء الجنسية السورية عن نحو 700 ألف شخص من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين الذين حصلوا عليها خلال عهد بشار الأسد، بينما تمضي قدماً في تجنيس آلاف المقاتلين الأجانب، وخاصة الإيغور، الذين قاتلوا إلى جانب المعارضة السورية. هذه السياسات المتناقضة ظاهرياً تعكس استراتيجية معقدة لإعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية والسياسية للبلاد، وتثير جدلاً واسعاً حول إعادة فرز الولاءات.
إلغاء الجنسيات الممنوحة خلال عهد الأسد: تصحيح التلاعب الديمغرافي
أعلنت إدارة السجل المدني في دمشق عن قرار غير مسبوق يقضي بإلغاء الجنسية السورية لما يقارب 700 ألف شخص من شيعة إيران والعراق ولبنان، ممن حصلوا عليها خلال سنوات الثورة السورية.
ووفقاً لمدير الأحوال المدنية في سوريا عبد الله عبد الله، فإن “كل شخص جرى تجنيسه بهدف سياسي أو عسكري، أي بسبب قتاله إلى جانب نظام الأسد، سيتم إلغاء الجنسية الممنوحة له”.
تأتي هذه الخطوة في سياق محاولات السلطات السورية الجديدة لإعادة رسم المشهد السياسي والاجتماعي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأوضحت الإدارة في بيانها الرسمي أن الجنسية التي مُنحت لهذه الفئة خلال فترة الثورة جاءت عبر إجراءات استثنائية وغير قانونية، مؤكدة أن القرار سيصبح نافذاً بمجرد اكتمال تأهيل شبكة المعلومات المدمرة.
الدوافع السياسية وراء التجنيس الجماعي
يشير الباحث علي حسين باكير في دراسة نشرها عام 2014 إلى أن “التقارير المتوافرة تشير إلى أنّ نظام الأسد قام منذ توليه السلطة في عام 2000 بمنح الجنسيّة السوريّة لآلاف الشيعة، خصوصاً من الإيرانيين والعراقيين”، مقدراً العدد بين 20 ألفاً و740 ألفاً.
و منذ اندلاع الثورة في 2011، جلبت إيران آلاف المقاتلين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان ولبنان للقتال إلى جانب الأسد، تحت إشراف “الحرس الثوري الإيراني”.
وفي عام 2015، أعلن بشار الأسد أن “سوريا لمن يدافع عنها”، في إشارة إلى الميليشيات التي قاتلت لصالحه، ما فتح الباب أمام تجنيس المقاتلين ومنحهم امتيازات، بينها شراء العقارات في دمشق.
كما كشف عبد الله أن الأسد حاول عام 2023 إلغاء “رقم الخانة” من السجلات المدنية، وهو رقم يعكس الأصل العائلي للسوريين، بهدف إخفاء عمليات التجنيس الكبيرة التي أجراها النظام.
تجنيس المقاتلين الأجانب: استراتيجية الدمج الأمريكية
في تطور لافت، أعلن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا توماس باراك أن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب بالانضمام إلى الجيش الوطني.
ووفقاً لثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين، تنص الخطة على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكّلة حديثاً، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري.
وقال باراك إنه من الأفضل إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة بدلاً من إقصائهم، ووصف كثيرين منهم بأنهم “مخلصون للغاية” للإدارة السورية الجديدة.
وأضاف مصدران مقرّبان من وزارة الدفاع السورية أن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع محاورين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجدداً إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.
المقاتلون الإيغور: من الهامش إلى المركز
تأسس الحزب الإسلامي التركستاني من الأيغور المسلمين في الصين مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتركز مقاتلون يتبعون له في ريفي إدلب واللاذقية بعد 2012، وشاركوا في معارك عدة ضد قوات النظام السابق بتنسيق وتحالف مع “هيئة تحرير الشام”.
ويتداول ناشطون محليون أن مقاتلي “الإيغور” يعرفون بانعزاليتهم وشراستهم بالقتال، وكان لهم دوراً في معارك جسر الشغور ومطار أبو الظهور.
صرح مسؤول عسكري لصحيفة “ذا ناشيونال” أن معظم المقاتلين الأجانب، بما فيهم الإيغور، سيمنحون الجنسية السورية بحلول العام الجاري.
وقال عثمان بوغرا، المسؤول السياسي في الحزب الإسلامي التركستاني، إن الجماعة حلّت نفسها رسمياً واندمجت في الجيش السوري.
الجدل الشعبي والمواقف المتباينة
أثار قرار دمج المقاتلين الأجانب موجة جدل بين السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. اعتبر رئيس نقابة المحامين في سوريا أحمد دخان أن “الانتقادات الواسعة تعكس قلقاً شعبياً مشروعاً تجاه مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية والأمن القومي”، معتبراً في الوقت ذاته أن الإجراء “يمكن أن يُنظر إليه كخطوة نحو المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة”.
بالمقابل، رحب سوريون وسوريات بقرار دمج المقاتلين الأجانب، وركزت الأصوات الداعمة للخطة على ما وصفوه بالإخلاص والوفاء لمن وقف مع السوريين ضد النظام السابق وساهم بإسقاطه في المعركة الأخيرة.
واعتبر الأكاديمي السوري عبد الرحمن الحاج أن قرار ضم “المقاتلين الإيغور” أمر طبيعي، لأنه يشكل “اعتراف بإسهاماتهم في عملية ردع العدوان، وفي نفس الوقت يمثل وفاء بالتزام أخلاقي”.










