أزمة غير مسبوقة: نتنياهو يواجه اختبارًا وجوديًا مع تصاعد أزمة تجنيد الحريديم
تواجه حكومة بنيامين نتنياهو أصعب أسبوع سياسي في تاريخها، مع تصاعد المواجهة مع الأحزاب الحريدية التي تهدد بدعم حل الكنيست إذا لم تُستجب مطالبها بإسقاط قانون التجنيد الجديد. جاءت الأزمة ذروةً لشهور من التوترات حول مسودة القانون التي تفرض عقوبات شخصية وقاسية على المتهربين من الخدمة العسكرية من طلاب المدارس الدينية.
خلفية الأزمة: صراع الهوية بين “الدولة اليهودية” و”الدولة الديمقراطية”
تعود جذور الأزمة إلى التناقض الدستوري في طبيعة الدولة الإسرائيلية، التي تتعامل مع قضية التجنيد الإلزامي كاختبار لهويتها المزدوجة. فمنذ تأسيس الدولة عام 1948، حصل طلاب المدارس الدينية (يشيفوت) على إعفاءات مؤقتة تحت ذريعة “التفرغ لدراسة التوراة”. لكن مع تصاعد الحاجة إلى جنود في ظل الحروب المتكررة، بدأ هذا الترتيب ينهار تحت ضغط الرأي العام.
تشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المتهربين الحريديم بلغ ذروته عام 2024 مع 3,000 شاب يتلقون إخطارات تجنيد كل شهر. لكن المحكمة العليا حكمت بعدم دستورية القانون السابق، مما أدى إلى فراغ تشريعي يستغلّه نتنياهو للمناورة بين ضغوط الحلفاء.
الموقف الحالي: حرب التصريحات والتهديدات المتبادلة
تصاعدت الأزمة مع إصدار الحاخامات الكبار فتاوى غير مسبوقة تمنع الجلوس في حكومة “تضطهد دارسي التوراة”. من جهته، هدد يولي إيدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والأمن، بفرض عقوبات تشمل سحب رخص القيادة ومنع السفر إلى الخارج للمتهربين.
“نحن أمام خيارين: إما التمسك بقدسية دراسة التوراة، أو الانصياع لضغوط العلمانيين الذين يريدون محو هويتنا” – تصريح للحاخام دوف لاندو خلال اجتماع طارئ.
كشفت تسريبات صوتية عن اعتراف نتنياهو بإقالة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت ورئيس الأركان هيرتسي هليفي بسبب معارضتهما لتسوية الأزمة، مما أثار عاصفة سياسية.
تحالفات مهتزة: انقسامات داخل الكتلة الحاكمة
تشهد الكتلة الحاكمة انقسامات حادة، حيث أعلنت شاس ويهاددوت هاتوراه دعمهما المبدئي لحل الكنيست إذا لم تُستجب مطالب الجماعة الحريدية. في المقابل، يصر حزب “الليكود” على ضرورة التوصل إلى حل وسط يحافظ على الاستقرار الحكومي.
وفقًا لمصادر مقربة من نتنياهو، تجري محادثات مكثفة مع الزعيم الروحي لطائفة الحاسيديم، الحاخام حاييم كانييفسكي، في محاولة لاحتواء الأزمة. لكن مصادر حريدية تؤكد أن “الوقت قد فات للوعود الجوفاء”.
سيناريوهات مستقبلية: من الانتخابات المبكرة إلى الفوضى الدستورية
يحذر محللون من ثلاثة سيناريوهات محتملة:
- حل الكنيست: في حال نجاح تصويت الأسبوع المقبل، قد تدخل إسرائيل في انتخابات مبكرة تكون الخامسة خلال سبع سنوات.
- انهيار التحالف: انسحاب الأحزاب الحريدية قد يؤدي إلى حكومة أقلية تعتمد على دعم عربي، وهو سيناريو مستبعد حاليًا.
- التدخل القضائي: قد تعود المحكمة العليا لتفرض قانونًا مؤقتًا في حال استمرار الجمود، مما يفتح أزمة دستورية جديدة.
في خضم هذه العاصفة، يبدو نتنياهو كربان سفينة تحاول تجنّب الاصطدام بجبل جليدي من الأزمات المتشابكة: القضائية، والأمنية، والاجتماعية. قراراته القادمة قد تحدد ليس فقط مصير حكومته، بل مستقبل فكرة “الدولة اليهودية الديمقراطية” نفسها.
التداعيات الإقليمية: صراع الهويات يعبر الحدود
لا تقتصر تداعيات الأزمة على الداخل الإسرائيلي، حيث بدأت تظهر تأثيراتها على:
- العلاقات مع الولايات المتحدة: انتقادات من الكونغرس لـ”التمييز الديني” في سياسة التجنيد.
- الوضع الأمني: تحذيرات من انخفاض جاهزية الجيش إذا استمر النقص في الأفراد.
- الاقتصاد: تقديرات بخسائر قد تصل إلى 5 مليارات شيكل سنويًا بسبب العقوبات المقترحة.
الخاتمة: اختبار وجودي لدولة على مفترق طرق
أزمة تجنيد الحريديم ليست مجرد نزاع سياسي عابر، بل هي مرآة تعكس التناقضات العميقة في بنية الدولة الإسرائيلية. بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الهوية اليهودية، تبدو إسرائيل عالقة في مفارقة تاريخية: كيف تكون دولة ديمقراطية حديثة مع الحفاظ على امتيازات دينية من عصر الـ”شتيتل”؟
القرارات المتخذة خلال الأيام القليلة المقبلة قد تُحدد مسار الدولة لعقود قادمة. سواء بالانتخابات المبكرة، أو بحل توافقي هش، أو بانهيار كامل للنظام السياسي – يبدو أن إسرائيل تقترب من نقطة اللاعودة في تعريف هويتها الجمعية.










