أعلن صندوق النقد الدولي، في بيان رسمي عقب زيارة بعثته إلى دمشق، أن سوريا بحاجة إلى دعم مالي دولي قوي وبشروط ميسرة للغاية، بالإضافة إلى مساعدة واسعة النطاق لتنمية قدراتها المؤسسية، بهدف تأهيل الاقتصاد السوري بعد سنوات طويلة من الصراع والانهيار. وأوضح الصندوق أن المناقشات مع السلطات الجديدة ركزت على اعتماد ميزانية لما تبقى من عام 2025، وضمان تلبية احتياجات الإنفاق الأساسية، مثل رواتب الموظفين الحكوميين، والخدمات الصحية والتعليمية، ودعم الفئات الأكثر ضعفاً. كما تم بحث تمكين البنك المركزي من تعزيز استقرار الأسعار واستعادة الثقة بالعملة الوطنية، إلى جانب إعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية، وإعادة ربط النظام المالي السوري بالنظام الدولي، وتنمية القطاع الخاص وتحسين بيئة الاستثمار.
أولويات صندوق النقد الدولي لإنعاش الاقتصاد السوري
أكد الصندوق أن موظفيه يعملون حالياً على وضع خارطة طريق مفصلة لأولويات السياسات الاقتصادية وبناء القدرات للمؤسسات الرئيسية، مثل وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة الإحصاء، بالتنسيق مع شركاء التنمية الدوليين. وتركز هذه الخارطة على:
إعداد موازنة شفافة تلبي الاحتياجات العاجلة وتعيد ترتيب أولويات الإنفاق.
تحديث نظام الضرائب والجمارك بما يضمن العدالة والكفاءة.
إصلاح السياسة النقدية وضمان استقرار الأسعار.
إعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية.
تعزيز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
معالجة العقبات أمام تنمية القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار.
تطوير جمع البيانات ونشرها لدعم السياسات الاقتصادية.
مؤشرات أولية على تحسن الاقتصاد السوري
هذه التحركات الإيجابية تأتي في سياق بداية مرحلة جديدة للاقتصاد السوري، الذي بدأ يُظهر مؤشرات أولية على التحسن بعد زوال حكم بشار الأسد. فقد شهدت البلاد زخماً استثمارياً ملحوظاً مع تخفيف العقوبات الدولية، وعودة التواصل مع المؤسسات المالية العالمية، ما يفتح الباب أمام فرص حقيقية لإعادة الإعمار والنمو. سجلت معدلات التضخم انخفاضاً ملحوظاً، وتحسنت قيمة الليرة السورية بأكثر من 20% منذ بداية العام، كما ارتفعت المبادلات التجارية مع دول الجوار، خاصة بعد إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، ما انعكس إيجاباً على حركة التجارة الإقليمية.
حجم الضرر الذي خلفه نظام بشار الأسد
لكن هذا التحسن يأتي بعد إرث ثقيل من الدمار خلفه نظام الأسد، حيث تقدر الأمم المتحدة خسائر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 مليار دولار خلال سنوات الحرب. وتعرضت البنية التحتية لأضرار هائلة، مع نزوح أكثر من 13 مليون سوري داخلياً وخارجياً، وارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وانهيار الخدمات الأساسية والمؤسسات الاقتصادية. فقد تضررت أو دُمرت أجزاء واسعة من البنية التحتية، بما فيها الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات والمصانع، وتراجع إنتاج الطاقة بنسبة 80%، مع تضرر 70% من محطات الكهرباء. كما فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للسكان، وبلغت نسبة البطالة 78%، فيما يعيش أكثر من 84% من السكان تحت خط الفقر.

تحديات المرحلة المقبلة
رغم المؤشرات الإيجابية، إلا أن طريق التعافي لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات. فإعادة بناء الاقتصاد السوري تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، إلى جانب إصلاحات هيكلية عميقة في السياسات المالية والنقدية، وتحديث أنظمة الضرائب والجمارك، وتمكين البنك المركزي من ضمان استقرار الأسعار واستعادة الثقة في العملة الوطنية. كما أن استيعاب ملايين اللاجئين العائدين إلى البلاد يتطلب توفير فرص عمل وإعادة دمجهم في الدورة الاقتصادية، ما يستدعي خططاً تنموية متكاملة.

آفاق مستقبلية: هل ينجح الاقتصاد السوري في النهوض؟
تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد السوري سيحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن للعودة إلى مستويات ما قبل الحرب، شريطة تحقيق الاستقرار السياسي ورفع العقوبات وجذب الاستثمارات الدولية. كما أن تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز 400 مليار دولار، مع حاجة ملحة لمعدلات نمو مرتفعة لعقود قادمة. غير أن الإرادة السياسية الصلبة، والدعم الدولي الواسع، وتنفيذ الإصلاحات الجريئة، تبقى عوامل حاسمة في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد السوري.











