تواجه “قافلة الصمود” المغاربية التي انطلقت من تونس باتجاه معبر رفح لكسر الحصار عن قطاع غزة، موقفا مصريا متضاربا يتراوح بين الصمت الرسمي والهجوم الإعلامي الحاد من شخصيات قريبة من النظام المصري.
“قافلة الصمود” المغاربية، التي تضم أكثر من 1500 مشارك من دول المغرب العربي، تضع السلطات المصرية أمام تحد سياسي وأمني معقد.
طبيعة قافلة الصمود ومسارها
انطلقت قافلة الصمود من العاصمة التونسية يوم الاثنين 9 يونيو 2025، في إطار حراك دولي أوسع يعرف بـ”Global march to Gaza” يضم نشطاء ومنظمات من 32 دولة.
تضم القافلة أكثر من 100 سيارة و18 حافلة تحمل قرابة 1700 شخص، منهم 140 جزائريا ومغربي وموريتاني.
نجحت القافلة في عبور الحدود التونسية الليبية عبر معبر رأس الجدير، ووصلت إلى مدينة الزاوية الليبية وسط استقبال شعبي واسع.
وفقا لخط السير المحدد، من المقرر أن تصل القافلة إلى العاصمة المصرية القاهرة يوم الخميس، ثم إلى معبر رفح يوم الأحد.
أكد وائل نوار، المتحدث الرسمي باسم قافلة الصمود، أن الهدف ليس حمل المساعدات إلى غزة، بل “كسر حصار دخول المساعدات من خلال ضغط شعبي أمام المعبر”.
وأوضح أن “المساعدات موجودة أصلا أمام معبر رفح ومتكدسة بكميات رهيبة”.
الموقف الرسمي المصري: صمت وعدم حسم
يسود الغموض الموقف الرسمي المصري تجاه القافلة، حيث لم تصدر أي مواقف رسمية واضحة من الحكومة المصرية حول السماح بدخولها من عدمه.
وقالت مصادر مطلعة إن “السلطات في مصر لم تحسم بعد الموقف بشأن السماح للقافلة بالعبور من عدمه”.
أشار المتحدث باسم القافلة إلى أنه “تم إخطار السلطات التونسية والسفارتين الليبية والمصرية في تونس، وكان الرد إيجابيا ومشجعا من الجانبين الليبي والتونسي، لكن السفارة المصرية لم ترد حتى الآن”.
كما أكد نوار أن المشاركين في القافلة “لم يتلقوا إلى حد الآن أي اتصال أو تأكيد رسمي بخصوص موافقة السلطات المصرية على منحهم تأشيرة العبور”.
في المقابل، أفادت مصادر مطلعة أنه “من المرجح أن يتم منح قافلة الصمود تأشيرات الدخول للتراب المصري”، لكن هذه المعلومة لم تتأكد رسميا.
الهجوم الإعلامي المصري على القافلة
شنت شخصيات إعلامية مقربة من النظام المصري هجوما حادا على قافلة الصمود، معتبرين إياها محاولة لإحراج مصر وليس لدعم القضية الفلسطينية.
وقاد هذا الهجوم الإعلامي أحمد موسى، الذي وصف القافلة بأنها “فخ يستهدف وضع مصر في موقف محرج للغاية”.
وحذر موسى من أن القافلة ستحول منطقة الحدود إلى “قنبلة موقوتة” بعد رفض إسرائيل دخولهم غزة، مؤكدا أن “الموضوع ليس سهلا بل مخطط بعناية والهدف هو إحراج مصر وليس إسرائيل”.
وتساءل موسى: “لماذا لم يذهب هؤلاء عن طريق البحر وهو أقرب وأسهل لهم؟”.
انضم إلى هذا الموقف عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، الذي اعتبر أن “الهدف من القافلة إحراج مصر”، مؤكدا أن “القاهرة موقفها ثابت في دعم القضية الفلسطينية ورفض التهجير ولا تحتاج إلى شهادات من أحد”.
كما برزت أصوات إعلامية أخرى تدعي أن أعضاء القافلة “جايين بأسلحة حربية وهيقفوا عند معبر رفح ويضربوا نار على إسرائيل”، مما يعني دخول مصر في حرب مع إسرائيل.
التحديات الأمنية واللوجستية
تضع قافلة الصمود تحديات جمة أمام السلطات المصرية على عدة مستويات. أولا، تتطلب دخول هذا العدد الكبير من الأشخاص تأشيرات مسبقة، وهو ما لم يحدث بعد.
ثانيا، تثير المخاوف الأمنية حول “هذا العدد الكبير من الأشخاص غير المعروفة انتماءاتهم ولا توجهاتهم”.
كما تضع “مسألة السماح لهم بالدخول وعبور مصر من غربها إلى شرقها لمسافة تتخطى 700 كم تحديات ضخمة أمام أجهزة الأمن”.
وتشير المصادر المصرية إلى أن “منظمي القافلة يعلمون أن المعابر لغزة مغلقة ولن تسمح إسرائيل بدخولهم، ما يضع علامات استفهام حول السبب الحقيقي لتنظيم القافلة”.
السياق الإقليمي والمخاوف الاستراتيجية
تأتي قافلة الصمود في ظل توترات إقليمية معقدة وموقف مصري حساس تجاه القضية الفلسطينية.
ومنذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، تتبع مصر استراتيجية الحفاظ على السلام مع إسرائيل مع دعم القضية الفلسطينية بطرق دبلوماسية.
يرى محللون أن القافلة “تساءل في العمق الموقف الاستراتيجي المصري”، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لاستقبال لاجئين فلسطينيين من غزة، وهو ما ترفضه مصر بشدة تحت شعار “رفض مخطط التهجير”.
تواجه مصر معضلة صعبة: فالسماح بمرور القافلة قد يضعها في موقف محرج أمام إسرائيل، بينما منع مرورها قد يثير انتقادات حول عدم دعم القضية الفلسطينية.
كما يثير وصول المشاركين إلى معبر رفح مخاوف من تحول المنطقة إلى بؤرة توتر في حال رفضت إسرائيل دخولهم.
التطورات المتوقعة والسيناريوهات المحتملة
مع اقتراب القافلة من الحدود المصرية الليبية، تتزايد التكهنات حول السيناريوهات المحتملة. يرجح بعض المراقبين عدم السماح للقافلة بدخول مصر، خاصة في ظل الهجوم الإعلامي المكثف والمخاوف الأمنية المعلنة.
من جهة أخرى، قد تجد مصر نفسها مضطرة للسماح بالمرور تجنبا لانتقادات دولية وعربية بعدم دعم القضية الفلسطينية، خاصة وأن دولا عربية أخرى سمحت بمرور القافلة.
يبقى الموقف المصري الرسمي غامضا حتى اللحظة، في انتظار قرار نهائي يعكس موازين القوى الداخلية والضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها القاهرة في هذا الملف الحساس.
الخلاصة
تمثل قافلة الصمود اختبارا حقيقيا للموقف المصري من القضية الفلسطينية والتوازنات الإقليمية. بين الصمت الرسمي والهجوم الإعلامي، تقف مصر أمام خيارات صعبة قد تؤثر على مكانتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية. وفي ظل استمرار الحرب على غزة وتزايد الضغوط الشعبية العربية، تصبح كيفية التعامل مع هذه القافلة مؤشرا مهما على الاستراتيجية المصرية المستقبلية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.










