السودان – في تطور استراتيجي مهم، أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، بعد انسحاب الجيش السوداني من هذه المنطقة الحيوية. هذا التطور يتزامن مع جدل متصاعد حول خريطة دارفور الجديدة التي أثارها مني أركو مناوي حاكم الإقليم.
انسحاب استراتيجي أم تراجع قسري؟
أعلن الجيش السوداني صباح الأربعاء إخلاء منطقة المثلث الحدودية في إطار ما وصفه بـ”الترتيبات الدفاعية لصد العدوان”. هذا الانسحاب فتح المجال أمام الدعم السريع لتعلن السيطرة على ما وصفته بـ”منطقة المثلث الاستراتيجية”.
المنطقة تحمل أهمية جيوسياسية بالغة كونها نقطة التقاء ثلاث دول، وتشكل ممراً حيوياً للتجارة والحركة عبر الحدود. كما أنها تمثل معبراً مهماً لتدفق الإمدادات العسكرية واللوجستية، حسب اتهامات الحكومة السودانية.
من جانبها، اتهمت وزارة الخارجية السودانية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم حفتر وكذلك الدعم السريع، بدعم الهجوم المشترك، واصفة إياه بـ”التصعيد الخطير” و”الانتهاك الصارخ للقانون الدولي”.
وأشارت في بيان إلى أن “حدود السودان مع ليبيا طالما خدمت كممر للأسلحة والمرتزقة الذين يدعمون الدعم السريع بتمويل إماراتي”
خريطة دارفور: إعادة تشكيل الحدود
نشر حاكم دارفور مني أركو مناوي خريطة جديدة للإقليم تضم نصف الولاية الشمالية إلى دارفور، وتلغي حدود الشمالية مع ليبيا لتصبح جزءاً من دارفور. الخريطة تجعل أيضاً نصف حدود الشمالية مع مصر تتبع رسمياً لدارفور.
هذا التعديل أثار جدلاً واسعاً، خاصة أن مصادر أكدت إجازة الخريطة من مجلس السيادة وأصبحت رسمية منذ مطلع العام الجاري. النخبة الشمالية عبرت عن استيائها من تعديل الحدود دون الرجوع للشعب السوداني.
وفي تسجيل فيديو متداول، وضح مناوي أن الخريطة تستند إلى مطالب تاريخية لأهل دارفور الذين يعتقدون أن حدودهم كانت تمتد إلى هذه المناطق قبل عام 1956.
وأشار إلى أنه تم تشكيل لجنة في عهد الرئيس السابق عمر البشير لترسيم الحدود، وأن هذه اللجنة ذهبت إلى بريطانيا للبحث في خرائط عام 1956 لتحديد موقع حدود دارفور مع الولاية الشمالية.
وأكد مناوي أن الخلاف حُدد في 17 ميلاً فقط، لكن البشير رفض توقيع الاتفاق لأنه اعتبر أن “التراب ده التراب بتاع ناس”، مما أدى إلى عدم إتمام ترسيم الحدود في ذلك الوقت، وشدد على أن التعديل لا يعني أن أهل دارفور سيقتحمون الولاية الشمالية، بل هو مجرد ترسيم إداري لدولة واحدة.
اتهامات للتدخل الخارجي
اتهمت القوات المسلحة السودانية الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر بالمشاركة في هجوم مشترك مع الدعم السريع على المثلث الحدودي. كما اتهمت وزارة الخارجية السودانية دولة الإمارات بدعم الهجوم، واصفة إياه بـ”التصعيد الخطير”.
من جانبه، كشف مناوي عن دخول 400 مركبة عسكرية عبر ليبيا لدعم الدعم السريع، مؤكداً استمرار الدعم الخارجي للمليشيا.
طموحات إقامة دولة منفصلة
أعلن رئيس المجلس الاستشاري لمليشيا الدعم السريع أن “المعركة العسكرية انتهت” وأن القوات تتجه لـ”تأسيس الدولة السودانية الجديدة”. هذا التصريح يؤكد طموحات الدعم السريع لتشكيل كيان سياسي منفصل في مناطق سيطرتها.
وقّعت الدعم السريع ميثاقاً سياسياً مع حركات مسلحة وشخصيات سياسية خلال مارس 2025 بالعاصمة الكينية نيروبي، يقر تشكيل حكومة موازية في مناطق السيطرة العسكرية.
بالمقابل، رفضت دول ومنظمات إقليمية هذه الخطوة، وأعلنت دعمها لوحدة السودان، بما في ذلك الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومصر، والمملكة العربية السعودية وقطر.
تداعيات إقليمية ودولية
السيطرة على المثلث الحدودي تمنح الدعم السريع نفوذاً على معابر حيوية مع مصر وليبيا، مما قد يؤثر على أمن واستقرار المنطقة. هذا التطور يطرح تساؤلات حول إمكانية تشكيل دولة أمر واقع في غرب السودان.
الخرائط العسكرية تشير لسيطرة الدعم السريع على مساحات واسعة تشكل كتلة جغرافية متصلة من الحدود مع أفريقيا الوسطى جنوباً إلى الحدود مع ليبيا ومصر شمالاً، مما يعزز احتمالات تشكيل كيان منفصل.
المجتمع الدولي يواصل رفض تقسيم السودان ويدعو لحل سياسي شامل، بينما تستمر المعارك في عدة جبهات وسط تدهور الوضع الإنساني.










