في تحول جديد على رأس واحدة من أقدم الجماعات الإسلامية المغربية الناشطة من خارج البلاد، أعلن عبد الكريم مطيع، مؤسس “الشبيبة الإسلامية” وزعيم “الحركة الإسلامية المغربية (الأم)”، تنحيه عن قيادة التنظيم، منهيا بذلك مسارا امتد لأكثر من ستة عقود في العمل الدعوي والسياسي من المنفى، منذ اتهامه بالتورط في اغتيال القيادي اليساري عمر بنجلون سنة 1975.
تنحي “الشيخ المؤسس”
في بيان مقتضب نشره من منفاه، قال مطيع البالغ من العمر أكثر من 90 عاما:”من يوم اعتقلني الحاكم الفرنسي وأنا في العاشرة مع شباب ابن أحمد، إلى اليوم وقد تجاوزت التسعين، رأيت أن أتفرغ لتفسير القرآن، وأغادر ساحة غيره من الشأن العام لغيري، لأن للشيخوخة أحكاما، فمعذرة لكرام الإخوة، وداعا”.
قرار التنحي يأتي في سياق تراجع الدور الفاعل للتيار الذي أسسه مطيع في المعادلة الإسلامية المغربية، خاصة مع بروز تيارات جديدة تبنت إستراتيجيات مغايرة، تقوم على التدرج السياسي والتفاعل مع المؤسسات.
الخلف: حسن بكير من المنفى الكندي
خلف مطيع في “المسؤولية الأولى” الدكتور حسن بكير، أستاذ جامعي حصل على اللجوء السياسي في كندا، ويعد من أبرز القيادات الفكرية للتنظيم. شغل بكير منصب رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في هولندا، ويعرف بخلفيته الأكاديمية الشرعية.
وكان بكير قد خضع لأمر توقيف دولي صدر عن المغرب في الثمانينيات، بناء على حكم غيابي بالإعدام صدر بحقه سنة 1985، غير أن القضاء الإسباني رفض تسليمه إلى الرباط سنة 2011، وهو يقيم منذ سنوات في هولندا، حيث حصل على اللجوء السياسي بعد سحب جواز سفره الهولندي مؤقتا.
وقدم مطيع خلفه بكلمات توحي بالثقة، واصفا إياه بأنه:
“العالم الفقيه الذي حكم عليه بالإعدام في الثامنة عشرة من عمره، وحصل أثناء هجرته على البكالوريا بدرجة ممتاز، وعلى الدكتوراه بدرجة ممتاز، ويعرف خمس لغات”.
“الشبيبة الإسلامية”.. من الرعاية إلى الحظر
تعد “الشبيبة الإسلامية”، التي أسسها مطيع رسميا عام 1972، أول تعبير حركي منظم للإسلاميين في المغرب، اعتمدت الأيديولوجيا الإسلامية كقاعدة للعمل السياسي والمجتمعي. وقد نظر إليها في بداياتها كأداة وظفتها الدولة المغربية لمواجهة التيارات اليسارية والناصرية الصاعدة، غير أن علاقتها بالسلطة انقطعت بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون.
وعقب تلك الأحداث، أصبحت الجماعة محظورة منذ 1975، وتم اعتقال عدد من عناصرها، بينما عاش مؤسسها في المنفى، متنقلا بين السعودية، وليبيا، وبريطانيا.
من الصدام إلى التكيف: تطور الإسلاميين في المغرب
مع بداية التسعينيات، تغير المشهد الإسلامي في المغرب جذريا. فقد اندمجت عدة تيارات، أبرزها حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، في إطار حركة التوحيد والإصلاح، التي أصبحت الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية لاحقا، هذه الحركات تبنت خيار التعايش مع النظام، مع الاعتراف بشرعية الملكية.
ويمثل هذا الجيل الثالث من الإسلاميين تحولا مهما من المواجهة والصدام، إلى الشراكة والانخراط في الحياة السياسية الرسمية، وهو ما أبعد الحركات الإسلامية “المنفصلة” عن الداخل، كتنظيم مطيع، من ساحة الفعل المؤثر.
مستقبل التنظيم خارج المغرب
برحيل عبد الكريم مطيع عن قيادة “الحركة الإسلامية المغربية (الأم)”، يبقى السؤال مطروحا حول مستقبل هذا التنظيم الذي يفتقد لحضور فاعل داخل المغرب، ويعاني من عزلة سياسية وتنظيمية في زمن تحولت فيه الحركات الإسلامية من السرية إلى العلنية، ومن المواجهة إلى الشراكة.
وفي ظل استمرار حظر “الشبيبة الإسلامية”، وغياب أي مصالحة رسمية مع الدولة المغربية، قد تظل “الحركة الإسلامية المغربية (الأم)” مجرد مرجع رمزي لتاريخ الإسلام السياسي في المغرب، أكثر من كونها فاعلا حقيقيا في الحاضر أو المستقبل القريب.










