يشكل رجال الدين في إيران أو المعروفين بـ”العمائم” هدفا استراتيجيا للاستخبارات الإسرائيلية نظرا لمكانتهم المميزة في النظام السياسي الإيراني ووصولهم إلى معلومات حساسة، وقد نجح الموساد في اختراق هذه الفئة من خلال أساليب متنوعة، من بينها استغلال الزيارات الخارجية والاستدراج والابتزاز واستخدام وسطاء.
وهناك واقعتان تشير إلي قدرة إسرائيل في تجنيد “العمائم” والذين يعتبرون “كنز معلوماتي” بالنسبة لإيران دولة معادية لإيران، نظرا لمكانة وسلطة رجل الدين في المؤسسات الإيرانية على مختلف المؤسسات بالإضافة إلى السلطات والتسهيلات التي يحصل عليها من نظام المرشد الإيراني علي خامنئي.
وبرز تجنيج إسرائيل لـ”العمائم” كأحد أهم محاور العمل الاستخباراتي الإسرائيلي، نظرا للمكانة المميزة التي يحتلها هؤلاء في النظام السياسي الإيراني والمعلومات القيمة التي يمكن الحصول عليها من خلالهم.
يستعرض تقرير “المنشر الاخباري” أسباب اهتمام إسرائيل بتجنيد رجال الدين الإيرانيين، وطبيعة سلطاتهم في النظام الإيراني، والأساليب التي تتبعها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لاختراقهم.
سلطات رجال الدين في النظام الإيراني
يتمتع رجال الدين في إيران بمكانة استثنائية منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، حيث يشغلون مناصب رفيعة في مختلف مؤسسات الدولة، ويمكن تلخيص سلطاتهم في النقاط التالية:
يحتكر “العمائم” في المناصب العليا في الدولة، بدءا من منصب المرشد الأعلى وصولا إلى رئاسة السلطة القضائية ومجلس صيانة الدستور في إيران.
كما يسيطر العمائم على المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية، مما يمنحهم تأثيرا واسعا على المجتمع الإيراني، وأيضا يتحكمون في الموارد المالية الضخمة من خلال المؤسسات الدينية والأوقاف والخمس والزكاة.

أيضا يشرف “العمائم” على شبكة واسعة من المساجد والحوزات الدينية والمزارات، مما يعزز نفوذهم الاجتماعي.
لماذا يشكل “العمائم” كنزا معلوماتيا لإسرائيل؟
يعتبر رجال الدين الإيرانيون مصدرا قيما للمعلومات الاستخباراتية، حيث وجودهم في مراكز صنع القرار السياسي والعسكري والأمني، مما يتيح لهم الاطلاع على معلومات استراتيجية حساسة.
وكذلك مشاركتهم في اجتماعات مغلقة للقيادة العليا، بما في ذلك اجتماعات المرشد الأعلى ومجلس الأمن القومي، بالاضافة إلى إشرافهم على مؤسسات حيوية مرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
كذلك علاقاتهم الوثيقة مع قادة الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية، وهو ما يمنح رجل الدين المعرفة الكاملة لقدرات العسكرية والقرارت السياسة وأيضا الحياةالاجتماعية والشخصية لكل قيادات الدولة من ادنى السلم الوظيفي إلى رأس الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، للمرشد الإيراني علي خامنئي ممثلون دينيون في جميع محافظات إيران الـ 31، ويؤم معظمهم صلاة الجمعة في عواصم المحافظات.
وعادة ما يتمتع هؤلاء الممثلون بسلطة وصلاحيات أكبر من حكام المحافظات. وينطبق الأمر نفسه على أئمة صلاة الجمعة في المدن الإيرانية؛ إذ يعينهم ممثلو خامنئي في محافظاتهم، وعادة ما يتمتعون بسلطة أكبر من مسؤولي المدن الآخرين.

ويخضع جميع أئمة المساجد لإشراف مجلس سياسة صلاة الجمعة، وهو هيئة يعين المرشد الأعلى رئيسها وجميع أعضائها. إضافة إلى ذلك، يوجد العشرات من الممثلين الدينيين في القوات المسلحة والهيئات التابعة لها.
كما يمارس خامنئي جزءا من سيطرته على الحرس الثوري الإسلامي من خلال تعيين رجال دين موالين للنظام. وأهم هؤلاء هو ممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري الإسلامي، الذي يرفع تقاريره مباشرة إلى القائد.
وينص ميثاق الحرس الثوري على أن ممثل المرشد الأعلى يشرف على جميع قرارات القادة لضمان توافقها مع المبادئ والتوجهات الأيديولوجية للقيادة.
وللقائد ممثلون دينيون في جميع الأجهزة العسكرية، بما في ذلك القوات البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى فيلق القدس، وقوات الباسيج، وجهاز مكافحة التجسس، والحرس الثوري الإسلامي في جميع المحافظات.
يرأس ممثل المرشد الأعلى هيئة كبيرة تسمى مكتب ممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري، وتضم إدارات مختلفة، من بين هذه الإدارات الدائرة السياسية، التي تشرف على المكتب السياسي للحرس الثوري.
ويعنى هذا المكتب مباشرة بالشؤون السياسية، ويرشد أفراد الحرس الثوري، على سبيل المثال، إلى كيفية اتخاذ موقف ضد المسؤولين الأجانب الذين يخالفون المرشد الأعلى.
وفي يوينو 2022 تم إقالة رئجل الدين الإيراني حسين طائب من منصبه كرئيس لمنظمة استخبارات الحرس الثوري بعد 13 عامًا، بعد إقالة طائب، زعم بعض المراقبين أنه احتُجز “للاشتباه في تجسسه”.

وخلال فترة تولي طائب رئاسة جهاز استخبارات الحرس الثوري، شهدت إيران سلسلة من الإخفاقات الأمنية الصارخة، اغتيل عدد من العلماء النوويين وعقيد في الحرس الثوري الإيراني ، وتعرضت منشآت نووية لهجمات، في حوادث تُحمّل الجمهورية الإسلامية إسرائيل مسؤوليتها.
الحذر الأمني نقطة الضعف لـ “العمائم”
على الرغم من حساسية المعلومات التي يمتلكها رجال الدين، إلا أنهم قد يكونون أقل حذرا من الناحية الأمنية مقارنة بالعسكريين أو الأمنيين المحترفين، وقد لا يخضعون لنفس مستوى التدريب الأمني الذي يتلقاه ضباط الاستخبارات أو الحرس الثوري.
كما يتمتع العمائم بحرية حركة أكبر داخل وخارج إيران بحكم مكانتهم الدينية، وكذلك يكونون أكثر انفتاحا على مناقشة قضايا سياسية وأمنية في دوائرهم الخاصة.
أساليب الموساد في تجنيد “عمائم إيران”
تستغل الاستخبارات الإسرائيلية زيارات رجال الدين الإيرانيين للخارج لتجنيدهم، عبر استهداف رجال الدين خلال زياراتهم للدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وبلجيكا.
أيضا إقامة اتصالات معهم تحت غطاء مؤسسات أكاديمية أو دينية أو إعلامية، وتقديم إغراءات مالية أو خدمات شخصية مقابل التعاون.
كما يعتمد الموساد على وسطاء من أصول إيرانية أو أشخاص يتمتعون بمصداقية في الأوساط الدينية، وتجنيد أشخاص من داخل المؤسسات الدينية الإيرانية للوصول إلى رجال الدين المستهدفين.
كذلك استخدام عملاء مزدوجين يعملون في أجهزة الأمن الإيرانية للتواصل مع رجال الدين، وتوظيف أشخاص من خلفيات دينية مشابهة للتقرب من المستهدفين.
كما تلجأ الاستخبارات الإسرائيلية إلى أساليب الاستدراج والابتزاز في بعض الحالات، استخدام نساء مدربات للتقرب من رجال الدين واستدراجهم إلى علاقات يمكن استغلالها لاحقا، وتوثيق تصرفات أو ممارسات تتعارض مع الصورة العامة لرجل الدين لابتزازه
بالإضافى لإلى ذلك استغلال الخلافات الداخلية بين التيارات الدينية المختلفة.

اختراق الموساد لـ العمائم”
وتبرز قصة تمثل قصة كاثرين بيرز شكدم، التي وصفتها تقارير إعلامية بأنها عميلة للموساد، نموذجا لأساليب الاختراق الإسرائيلي، والتي دخلت إيران بجواز سفر فرنسي كصحفية يهودية متشددة ضد الغرب واعتنقت المذهب الشيعي، حيث جحت في التغلغل داخل الأوساط الدينية والإعلامية الإيرانية.
واستخدمت كاثرين بيرز شكدم “زواج المتعة” لتجنيد عددا من رجال دين ومسؤولين إيرانيين.
وفقا للتقارير، أوقعت كاثرين بيرز شكدم في شباكها نحو 100 مسؤول إيراني، كان رجال الدين من أبرز مصادرها المعلوماتية.
رجل الدين بيدرام مدني
وفي الواقعة الثانية أعدمت إيران في 28 مايو 2025، رجل الدين بيدرام مدني بتهة التجسس لصالح إسرائيل.
وقال ميزان إن مدني، الذي اعتقل في عام 2020، يقال إنه حاول نقل معلومات سرية إلى إسرائيل حول مواقع حساسة في إيران، مضيفا أنه متهم أيضا بالحصول على الثروة بوسائل غير قانونية، بما في ذلك استلام العملة النقدية الأجنبية (اليورو) في أوروبا والعملة الرقمية (بيتكوين)”.
أوضح بيان القضاء الأنشطة الواسعة التي قام بها مدني لصالح السلك الدبلوماسي المعادي. قبل اعتقاله، كان مدني يسافر كثيرا خارج إيران، وخاصة إلى ألمانيا.
وجاء في البيان أن “العقيد كان يستخدم دورات تدريبية قدمتها له الموساد، وكان يسعى لتجنيد أفراد وجمع معلومات سرية، ونقلها بشكل آمن إلى مشغله في الموساد”.
وأثبتت الأدلة المقدمة خلال محاكمته أنها دامغة. وأكدت الوثائق القضائية جهود مدني لنقل بيانات سرية حساسة، “بما في ذلك مواقع ومباني تضم معدات بنية تحتية حيوية”، عبر قنوات اتصال آمنة إلى ضابطه في الموساد.
وكشفت السلطة القضائية أيضا أنه “خلال أحد الاجتماعات العديدة التي عقدها مع ضابط خدمته في بلدان مختلفة، التقى بيدرام مدني مع مسؤوله المباشر في الموساد في سفارة النظام الصهيوني في بروكسل”.
لعب التحليل الجنائي الرقمي دورا حاسما في القضية. وذكرت الهيئة القضائية أن “المعلومات المسترجعة من الأجهزة الإلكترونية لبيدرام مدني أظهرت تبادل رسائل بين المتهم وضابطه في الموساد”.










