في قراءة سياسية متعمقة، تناول الخبير السياسي الإيراني رضا إيرفاني تداعيات الضربة الأمريكية الأخيرة على منشآت داخل إيران، مركزا على البعد النفسي والاستراتيجي في مفهوم “الردع” والعواقب السياسية والعسكرية المحتملة على المستوى الإقليمي والدولي.
الردع.. قلب اللعبة من الخوف إلى الفعل
يبدأ إيرفاني بالحديث عن الردع باعتباره حالة نفسية قائمة على الخوف من ضربة ثانية، حيث تمتنع الدول المعتدية عن المضي في عدوانها خشية العواقب. ويضيف أن الدول التي تنجح في بناء منظومة ردع فعالة، لا تعتمد على ردود فعل متهورة، بل على ثقة راسخة في أن خصمها يفهم حدود المواجهة وخطورة التمادي.
في هذا السياق، يرى أن الولايات المتحدة، وتحديدا الرئيس دونالد ترامب، بالغت في تقدير قدرتها على زرع الخوف في نفوس خصومها.
ويشير إلى أن الضربة الأمريكية الأخيرة لم تكن استعراضا للقوة، بل كان محاولة نفسية لفرض منطق السيطرة وتخويف القيادة الإيرانية من رد مباشر، وهي محاولة وصفها الكاتب بأنها “فخ نفسي غير آمن”.
خطأ ترامب الاستراتيجي وتغير معادلة الردع
يرى إيرفاني أن ترامب أساء تقدير المسار الجديد لصنع القرار في طهران، معتمدا على عقلية ما قبل الحرب، دون أن يدرك أن إيران تخلت عن النهج المحافظ التقليدي، وأصبحت تعتمد استراتيجية أكثر جرأة ومرونة.
واعتبر أن الهجوم الأمريكي، بدلا من أن يردع إيران، منحها فرصة لتوسيع قاعدة أهدافها المشروعة في الشرق الأوسط، بل إن إيران نجحت، على حد تعبيره، في “جر أمريكا إلى لعبتها” بدلا من العكس.
رسائل ميدانية وسياسية جديدة
يؤكد الخبير الإيراني أن الغارة على المنشآت النووية لا يمكن تفسيرها إلا كـإعلان حرب مباشر على قوة إقليمية، ويحذر من أن تجاهل الرد سيكون انتحارا جيوسياسيا لطهران.
ويضيف أن المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة تستدعي تحولا في العقلية الإيرانية من الخطاب إلى الفعل، ومن التهديد الرمزي إلى الرد العملي المؤلم.
أهداف إيران في الرد المقبل
وفي ما يشبه خريطة طريق للرد الإيراني، يحدد إيرفاني ثلاثة محاور رئيسية يجب أن تحققها طهران، تدمير الهيكل الإقليمي للهيمنة الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط، وتوسيع الضربات لتطال المصالح الأمريكية والصهيونية المباشرة، بما يعيد رسم معادلة الردع.
وكذلك تحويل الخطاب الاستراتيجي إلى قرارات تنفيذية واضحة داخل المؤسسات السياسية والعسكرية الإيرانية.
وقت الفعل لا الانتظار
يختم إيرفاني مذكرته برسالة شديدة اللهجة إلى الداخل الإيراني قبل الخارج، قائلا إن الرد أصبح ضرورة للأمن القومي وليس خيارا سياسيا، وإن الوقت الراهن لا يحتمل التردد أو المحافظة، بل يستدعي قرارا تاريخيا يعيد لإيران موقعها في معادلة القوة.
ويختزل رأيه بجملة ذات دلالة رمزية: “إيران لا تبني بالجراح فحسب، بل تصيب بالجراح أيضا.”
وتعبر قراءة رضا إيرفاني عن توجه واضح داخل بعض دوائر صنع القرار في إيران نحو تبني نهج أكثر عدوانية وصدامية في مواجهة واشنطن وتل أبيب، وتدلل على حجم التوتر الذي بلغه المشهد الإقليمي بعد الضربات الأمريكية الأخيرة. وتشير إلى أن الرد الإيراني، إن حدث، سيكون جزءا من استراتيجية أوسع تتجاوز “رد الفعل” إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك في المنطقة.










