بعد 12 يوما من أعنف مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 24 يوليو/تموز 2025، وسط حالة من الصدمة العسكرية والسياسية والاقتصادية في الداخل الإيراني. وبينما يحاول النظام الإيراني تسويق “النصر الإلهي” المعتاد، تكشف الوقائع عن حالة انهيار متسارع في منظومات الحكم، وشروخ خطيرة في الجبهة الداخلية.
الضربة العسكرية – نهاية أسطورة الردع
الضربات التي وجهتها إسرائيل (بدعم أمريكي واضح) لم تكن مجرد رد عسكري تقليدي، بل كانت عملية استئصال نوعي لبنية القيادة والسيطرة الإيرانية. مقتل أكثر من 35 قائدا من الحرس الثوري، واستهداف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، يظهر نجاحا استخباراتيا وعسكريا يرقى إلى ما يعرف في الاستراتيجية العسكرية بـ”الضربة المانعة الشاملة”.
اللافت أن القادة الإيرانيين، ومنهم خامنئي نفسه، ظهروا وهم يعلنون “الانتصار”، في مشهد يكشف disconnect واضح بين الواقع والتصور السياسي في طهران. في المقابل، خاطب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بيني غانتس خامنئي مباشرة بالفارسية قائلا: “الكذاب عدو الله، اخرج من مخبئك لترى حجم الهزيمة”.
النووي الإيراني… مشروع مؤجل
بالرغم من العقود الطويلة التي أنفقتها إيران لبناء برنامجها النووي، تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن القنابل التي استهدفت منشأة فوردو دمرت مكونات رئيسية للبنية التحتية النووية، تحديدا فتحات التهوية المحصنة. لا مؤشرات على نقل اليورانيوم عالي التخصيب قبيل الضربة، ما يعزز فرضية أن المشروع النووي تعرض لنكسة طويلة الأمد.
لكن الرد الإيراني جاء قانونيا، إذ علق البرلمان التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذه الخطوة لا تعد تصعيدا حقيقيا، بقدر ما هي محاولة للحفاظ على ماء الوجه أمام الداخل.
الداخل الإيراني… قنبلة اجتماعية موقوتة
ربما تكون المعركة الأخطر التي تواجهها إيران اليوم ليست مع إسرائيل أو الغرب، بل في شوارعها ومدنها. فبينما يعاني المواطن الإيراني من انقطاعات الكهرباء ونقص المياه وغلاء الخبز والوقود، يعيش النظام السياسي حالة إنكار خطيرة.
سعر البطاطس والطماطم وصل إلى 35 ألف تومان، والدولار تراجع اسميا دون أن يخفف من حدة التضخم أو ينعكس على السوق. في بلد يفتقر لآليات السوق الحرة، ويعاني من اقتصاد مؤمم وأمني، بات المواطن ضحية لحرب لم يخترها، ولم تترك له شيئا.
الانقسام داخل النظام… صراع ما بعد خامنئي
مع تصاعد الاحتقان، بدأت تظهر مؤشرات تصدع في خطاب النخبة الحاكمة. تصريحات شيرين عبادي (الحائزة على نوبل) التي توقعت ثورة داخلية تطيح بخامنئي، رافقتها دعوات من رضا بهلوي للعصيان المدني.
لكن الأخطر هو الشرخ داخل النظام نفسه. تصريح محمود مشكيني ضد المتشدد سعيد جليلي، وانتقادات علي رضا معزي لتيارات تسعى لتفكيك الوطن، تكشف عن أزمة شرعية مزدوجة: النظام لم يعد قادرا على إقناع الداخل، ولا على توحيد نخبته.
حقوق الإنسان… الوجه المنسي في الحرب
تحت غطاء الحرب، نفذت إيران واحدة من أوسع حملات الاعتقال منذ احتجاجات 2022. أكثر من 900 معتقل خلال أسبوعين، بينهم نساء وأقليات دينية وقومية، وناشطون سياسيون. بعضهم اختفى قسرا، وآخرون قتلوا بدم بارد في الشوارع أو في سجون النظام.
الرسائل الصوتية من السجون، مثل تلك التي أطلقتها الناشطة مهـوش سيدال، تعكس يأسا وجوديا داخل المعتقلات: “لقد أوصلتنا الجمهورية الإسلامية إلى مكان يقتلوننا فيه عمليا”.
هل تسير إيران نحو انهيار شامل؟
لا يمكن الجزم بأن النظام الإيراني على وشك السقوط. فقد نجا من أزمات متعددة في السابق، وكان دائما ما يوظف الأزمات الخارجية لتكريس السيطرة الداخلية. لكن ما يميز المرحلة الحالية هو التقاء عدة أزمات معا في لحظة واحدة:
ضربة عسكرية لم تسبقها مثيل.
انهيار نووي مقنع.
احتقان داخلي سياسي واجتماعي غير مسبوق.
شروخ في النخبة الحاكمة.
انفجار في الأوضاع الاقتصادية والحقوقية.
إيران بعد وقف إطلاق النار ليست إيران قبل الحرب. المعركة لم تنته، وإنما دخلت طورا مختلفا: طور الاستنزاف الداخلي










