شهدت منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة تصعيدا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، بعد الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على أهداف داخل إيران في 13 يونيو 2025، والذي وصف من قبل المراقبين الدوليين بأنه “عدوان غير قانوني”. جاء هذا الهجوم في سياق الرد الإسرائيلي على الضربات الجوية الإيرانية التي استهدفت الأراضي الإسرائيلية في عام 2024، والتي هي الأخرى قوبلت بانتقادات دولية واسعة بوصفها انتهاكا للقانون الدولي.
ورغم إعلان وقف إطلاق نار بوساطة أمريكية اليوم، إلا أن الأوضاع على الأرض لا تزال متوترة للغاية، فيما تتزايد الشكوك حول قدرة الأطراف المتنازعة على الالتزام به، وسط تحليلات تتحدث عن سيناريوهات خطيرة تتراوح بين انهيار الدولة الإيرانية، وانقلاب من داخل الحرس الثوري، وحتى حرب أهلية.
خيارات محدودة للنظام الإيراني
يرى الخبراء في معهد GIGA، ومنهم البروفيسور د. إيكارت ويرتز، والباحثة ديبا ميرزائي، والدكتور أندريه بانك، أن الخيارات أمام النظام الإيراني باتت محدودة. فالدخول في مفاوضات نووية جديدة قد يعتبر تنازلا غير مقبول في الداخل، ويضعف موقف النظام أمام الحلفاء الإقليميين وخصومه على السواء.
ورغم مخاوف سابقة من تصعيد إيراني يشمل استهداف قواعد أمريكية أو منشآت نفطية خليجية، لم تنفذ طهران هذه التهديدات حتى الآن، ما يشير إلى وعي النظام بمخاطر ضربات انتقامية قد تزعزع استقراره الداخلي. فخسارة النظام لحلفائه الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا، أنهت فعليا استراتيجية “محور المقاومة” التي كانت تمثل حجر الزاوية في سياسته الخارجية.
الأزمة الداخلية في إيران: من التماسك إلى الانفجار؟
يشير الخبراء إلى أن “الالتفاف حول الراية”، أي تماسك الشعب خلف النظام في وقت الحرب، قد يحصل على المدى القصير، لكنه لن يستمر. فالفجوة بين النظام والشعب عميقة، ويعاني الإيرانيون من ضغوط اقتصادية، وقمع سياسي، وانعدام ثقة متجذر. في الأفق، قد تظهر ديناميكيات احتجاجية جديدة، خاصة إذا استمر النظام في قمع المعارضين بعد انتهاء الأعمال العسكرية.
الجذور التاريخية للصراع
يعود التوتر بين إيران وإسرائيل إلى ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حين تحولت طهران من شريك استراتيجي لتل أبيب في عهد الشاه إلى عدو معلن، داعم لحركات مثل حزب الله. القلق الدولي من السلاح النووي الإيراني بلغ ذروته في العقد الأول من القرن الـ21، ما دفع إلى إبرام اتفاق نووي عام 2015 (JCPOA)، ثم انهياره إثر انسحاب إدارة ترامب عام 2018. منذ ذلك الحين، عادت إيران لتخصب اليورانيوم بمعدلات مقلقة.
تأثير الصراع على الأمن الإقليمي
في ظل الهيمنة العسكرية الإسرائيلية والدعم الغربي غير المشروط تقريبا، فإن تأثير الدول العربية في الصراع يبدو محدودا. وقد تتفاقم تداعيات التصعيد في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، ما سيهدد التجارة النفطية العالمية، لكنه أيضا يضر بمصالح إيران نفسها، التي تعتمد على هذا الممر لتصدير النفط واستيراد الغذاء.
ورغم تجنب السيناريو الأسوأ حتى الآن، لا تزال المنطقة على شفير انفجار جديد، خاصة مع التوتر المتصاعد في لبنان واليمن وسوريا، واستمرار عمليات القصف الإسرائيلي خارج حدودها، بما في ذلك مناطق خاضعة لحماية الأمم المتحدة.
الغائبون عن المشهد: أوروبا والدول العربية
لم تلعب الدول الأوروبية، حتى الآن، أي دور فعال في وقف التصعيد، مكتفية بـمحاولات دبلوماسية باهتة. أما الدول العربية، ففي ظل التفوق العسكري الإسرائيلي، والدعم الغربي القوي لتل أبيب، فقد أصبح دورها هامشيا، سواء في لبنان أو سوريا أو الخليج.
آفاق الحلول: العودة إلى الاتفاق النووي؟
يقول باحثو معهد GIGA الإلماني إن الطريق الوحيد لتجنب مزيد من التصعيد هو العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، أو اتفاق جديد مشابه يضع قيودا شفافة ومعقولة على البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع تدريجي للعقوبات.
لكن هذا الحل مرهون بصراعات داخلية إيرانية. ففي حال تفوق التيار الرافض للتفاوض، قد تتجه إيران إلى امتلاك السلاح النووي فعليا، والخروج من معاهدة عدم الانتشار، ما ينذر بسباق تسلح جديد في الشرق الأوسط.
غزة خارج الأضواء… لكن الجحيم مستمر
رغم تحول الانتباه الإعلامي والعالمي نحو الحرب بين إيران وإسرائيل، إلا أن الكارثة الإنسانية في غزة لا تزال قائمة. يقول الخبراء إن خطة الحكومة الإسرائيلية، وخصوصا وزراؤها اليمينيون المتطرفون، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسريا، وسط تواطؤ أو صمت دولي، ما يفقد السياسة الخارجية الأوروبية والألمانية مصداقيتها في العالم العربي والإسلامي.










